الجمعة، 21 سبتمبر 2012

السَّقِيفَةُ وَفَدَكْ 10


السَّقِيفَةُ وَفَدَكْ
لأبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي
المتوفى ـ 323 هـ


اصدار
مكتبة نينوى الحديثة
طهران ناصر خسرو ـ مروي
تقديم وجمع وتحقيق
الدكتور محمد هادي الأميني

( 1 )

السَقّيفة وفَدكُ

لأبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي
المتوفى ـ 323هـ

رواية
عز الدين عبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلي المتوفى 656


تقديم وجمع وتحقيق
الدكتور محمد هادي الأميني
1

فأبوا أبا وهب ولـو أذنـوا * لقرنت بين الشفــع والوتر
كفوا عنانك إذ جريت ولـو * تركوا عنانك لم تزل تجري

 وقال الخطيئة ايضا :

تلكم في الصلاة وزاد فيهـا * علانية وأعلـن بالنفــاق
ومجّ الخمر في سنن المصلي * ونادى والجميـع الى افتراق
أزيدكـم على أن تحمدونـي * فما لكم ومالي من خلاق (1)

 حدثنا عمر بن شبة ، عن المدائني ، عن مبارك بن سلام ، عن فطر بن خليفة ، عن أبي الضحى ، قال : كان ناس من أهل الكوفة يتطلبون عثرة الوليد بن عقبة ، منهم أبو زينب الأزدي ، وأبو مورع ، فجاءا يوما ولم يحضر الوليد الصلاة ، فسألا عنه ، فتلطفا حتى علما أنه يشرب ، فاقتحما الدار فوجداه يقئ ، فاحتملاه وهو سكران حتى وضعاه على سريره ، وأخذا خاتمه من يده ، فأفاق فافتقد خاتمه ، فسأل عنه أهله ، فقالوا : لا ندري ، وقد رأينا رجلين دخلا عليك فاحتملاك فوضعاك على سريرك ، فقال : صفوهما لي ، فقالوا : أحدهما آدم طوال حسن الوجه ، والآخر عريض مربوع ، عليه خميصة فقال : هذا أبو زينب ، وهذا أبو مورع . 
 قال : ولقي أبو زينب وصاحبه عبد الله بن حبيش الأسدي ، وعلقمة بن يزيد البكري وغيرهما فأخبروهم فقالوا : اشخصوا الى أمير المؤمنين فاعلموه ، وقال بعضهم : انه لا يقبل قولكم في أخيه ، فشخصوا إليه ، فقالوا : إنا جئناك في أمر ، ونحن مرجوه اليك من أعناقنا ، وقد قيل : انك لا تقبله قال : وما هو ، 
____________
(1) ابن أبي الحديد 17 : 229 ـ 23 .
(2) الادم : الاسمر .
(3) الخميصة : كساء أسود مربع له علمان .

( 122 )

قالوا : رأينا الوليد وهو سكران من خمر شربها ، وهذا خاتمه أخذناه من يده وهو لا يعقل : فأرسل عثمان الى علي عليه السلام فأخبره ، فقال : أرى ان تشخصه ، فإذا شهدوا عليه بمحضر منه حددته ، فكتب عثمان الى الوليد ، فقدم عليه ، فشهد عليه أبو زينب ، وأبو مورع ، وجندب الأزدي ، وسعد بن مالك الأشعري ، فقال عثمان ، لعلي عليه السلام : قم يا أبا الحسن فأجلده ، فقال علي عليه السلام للحسن ابنه ، قم فاضربه ، فقال الحسن : مالك ولهذا ، يكفيك غيرك ، فقال علي لعبد الله بن جعفر : قم فاضربه ، فضربه بمخصرة (1) فيما سير له رأسان ، فلما بلغ أربعين قال : حسبك (2).
 حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثني المدائني ، عن الوقاصي ، عن الزهري ، قال : خرج رهط من أهل الكوفة الى عثمان في أمر الوليد ، فقال : أكلما غضب رجل على أميره رماه بالباطل ، لئن اصبحت لكم لأنكلن بكم ، فاستجاروا بعائشة ، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال : أما يجد فساق العراق ومراقها ملجأ إلا بيت عائشة ، فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقالت : تركت سنة صاحب هذا النعل . وتسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد ، فمن قائل : قد أحسنت ، ومن قائل : ما للنساء ولهذا ، حتى تخاصموا ، وتضاربوا بالنعال ، ودخل رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان فقالوا له : اتق الله ولا تعطل الحدود ، واعزل أخاك عنهم ففعل (3).
 حدثني عمر بن شبة ، عن المدائني ، عن أبي محمد الناجي ، عن مطر الوراق ، قال : قدم رجل من أهل الكوفة الى المدينة فقال لعثمان : اني صليت صلاة الغداة خلف الوليد ، فالتفت في الصلاة الى الناس ، فقال : أأزيدكم ، 
____________
(1) المخصرة : ما اختصره الانسان بيده فأمسكه من عصا مقرعة أو عكازة .
(2) ابن أبي الحديد 17 : 232 . الكامل 3 : 106 .
(3) ابن أبي الحديد 17 :232. 



( 123 )

فاني أجد اليوم نشاطا ، وشممنا منه رائحة الخمر ، فضرب عثمان الرجل ، فقال الناس : عطلت الحود وضربت الشهود (1)
 حدثنا أبو زيد عمر بن شبة ، حدثنا أبو بكر الباهلي ، عن بعض من حدثه قال : لما شهد على الوليد عن عثمان يشرب الخمر كتب إليه يأمره بالشخوص ، فخرج وخرج معه قوم يعذرونه ، منهم عدي بن حاتم الطائي ، فنزل الوليد يوما يسوق بهم ، فارتجز وقال : 

لا تحسبنا قد نسينا الأحقاف * والنشوات من معتق صاف
وعزف قنيات علينا غراف

 فقال عدي : فأين تذهب بنا اذن ، فأقم (2).
 وروى أبو زيد عمر بن شبة ، عن رجاله ، عن الشعبي ، عن جندب الأزدي ، قال : كنت فيمن شهد على الوليد عند عثمان ، فلما استتممنا عليه الشهادة حبسه عثمان ، ثم ذكر باقي الخبر وضرب علي عليه السلام إياه ، وقول الحسن ابنه : مالك ولهذا ، وزاد فيه ، وقال علي عليه السلام : لست أزن مسلما وقال : من المسلمين (3)
 أخبرني أبو زيد عمر بن شبه ، عن رجاله : أن الشهادة لما تمت قال عثمان ، لعلي عليه السلام : دونك ابن عمك فأقم عليه الحد ، فأمر علي عليه السلام ابنه الحسن عليه السلام ، فلم يفعل ، فقال : يكفيك غيرك ، فقال علي عليه السلام : بل ضعفت ووهنت وعجزت ، قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده ، فقام فجلده ، وعلي عليه السلام يعد حتى بلغ أربعين ، فقال له علي عليه السلام : امسك حسبك ، جلد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعين ، وجلد أبو بكر 
____________
(1) ابن أبي الحديد 17 : 233.
(2) ابن أبي الحديد 17 : 233 .
(3) ابن أبي الحديد 17 : 233 .

( 124 )

أربعين ، وكملها عمر ثمانين ، وكل سنة (1).
 وحدثني عمر بن شبة ، عن عبد الله بن محمد بن حكيم ، عن خالد بن سعيد ، قال : وأخبرني بذلك أيضا ابراهيم بن محمد بن أيوب ، عن عبد الله بن مسلم ، قالوا جميعا : لما ضرب عثمان الوليد الحد ، قال : انك لتضربني اليوم بشهادة قوم ليقتلنك عاما قابلا (2).
 حدثني عمر بن شبة ، عن عبد الله بن محمد بن حكيم ، عن خالد بن سعيد ، وأخبرني أيضا ابراهيم بن محمد بن أيوب ، عن عبد الله ، قالوا جميعا : كان أبو زيبد الطائي نديما للوليد بن عقبة أيام ولايته الكوفة ، فلما شهدوا عليه بالسكر من الخمر خرج عن الكوفة معزولا ، فقال أبو زبيد يتذكر أيامه وندامته : 

من يرى العير لابن أروى على ظهـ * ـر المروي حدّاتهــن عجال (3)
ناعـجات والبـيت بيت أبي وهــ * ـب خلاء تحـن فيــه الشمـال
يعرف الجاهل المـضلـل أن الــد * هـر فيــه النكراء والزلــزال
ليـت شعري كذاكم العهـد أم كــا * نوا أناســا كمن يزول فزالــوا
بـعـدما تـعـلميـن يا أم عمـرو * كــان فــيه عــزلنا وجـمال
ووجــوه تـودنا مـشــرقـات * ونــوال إذا أريــد النـــوال
أصبح البـيـت قد تـبـدل بالحي * وجوها كـأنـهــا الأقـيـال (4)
كل شيء يحـتال فـيـه الرجـال * غير ان ليـس للمـــنايـا احتيال
ولعـمـر الألـه لـو كان لـلسيـ * ـف مـعـناه ولـلسـان مقــال
ما تـناسيـتـك الصفاء ولا الـود * ولا حــال دونــك الأشغــال
ولحرمـت لحـمـك المـتعضـى * ضله ضــل حلمهـم ما اغتالوا(5)

____________
(1) ابن أبي الحديد 17 : 234 . الاغاني 4 : 179 . الامامة والسياسة 1 : 37 . الكامل 3 : 106.
(2) ابن أبي الحديد 17 : 234 . الاغاني 4 : 179 .
(3) ابن اروى : الوليد بن عقبة ، وأروى هي ام عثمان بن عفان
(4) الأقيال : الملوك الحميريون .
(5) المتعضي : المتقطع ، المتفرق .

( 125 )

قولهم شربك الحـرام وقد كـا * ن شراب سوى الحـرام حلال
وأبي ظاهر العـداوة والشنـآ * ن إلا مـقــال مـا لا يقـال
من رجال تقا رضوا منكرات * لينالـوا الذي أرادوا فنالــوا
غير ما طالبيــن ذحلا ولكن * مال دهر على أنــاس فمالوا
من يخنك الصفاء أو يتبـدل * أو يزل مثل ما يزول الظلال
فاعلمن انني أخــوك الـو * دّ حياتـي حتى تزول الجبال
ليس بخلي عليك يوما بمـال * أبــدا ما أقـل نعلا قبال (1)
ولك النصر باللسان وبالكف * إذا كان لليديــن مصال (2)

 حدثني عمر بن شبة ، قال : لما قدم الوليد بن عقبة الكوفة ، قدم عليه أبو زبيد (3) فأنزله دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد ، وهي التي تعرف بدار القبطي ، فكان ما احتج به عليه أهل الكوفة ان أبا زبيد كان يخرج الهى من داره وهو نصراني يخترق المسجد فيجعله طريقا (4)
 حدثنا عمر بن شبة ، عن رجاله عن الوليد ، قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم ، فيدعوا لهم بالبركة ، ويمسح يده على رؤوسهم ، فجئ بي إليه وانا مخلق ، فلم يمسني وما منعه إلا أن أمي خلقتني بخلوق ، فلم يمسني من أجل الخلوق (5).
 وحدثني عمر بن شبه ، عن محمد بن حاتم ، عن يونس بن عمر ، عن شيبان ، عن يونس ، عن قتادة ، في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق 
____________
(1) قبال النعل : زمام بني الأصبع والتي تليها .
(2) ابن أبي الحديد 17 : 234 . الاغاني 4 : 18 .
(3) أبو زبيد حرملة بن منذر ويقال : المنذر بن حرملة بن معد يكرب بن حنظلة الطائي الشاعر ، لم يسلم مات على النصرانية وعاش مائة وخمسين سنة واستعمله عمر على صدقات قومه ، له شعر . الاصابة 4 : 8 .
(4) ابن أبي الحديد 17 : 235 . الاغاني 4 : 18 .
(5) ابن أبي الحديد 17 : 238 . الاغاني 4 : 182 .

( 126 )

بنبأ فتبينوا (1) قال : هو الوليد بن عقبة بعثه النبي صلى الله عليه وآله مصدقا الى بني المصطلق ، فلا رأوه أقبلوا نحوه فهابهم ، فرجع الى النبي صلى الله عليه وآله فقال له : أنهم ارتدوا عن الاسلام ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد ، فعلم علمهم وأمره أن يثبت ، وقال له : إنطلق ولا تعجل ، فانطلق حتى أتاهم ليلا ، وأنفذ عيونه نحوهم ، فلما جاؤه أخبروه انهم متمسكون بالاسلام ، وسمعوا آذانهم ، وصلاتهم ، فلما أصبح أتاهم فرأى ما يعجبه ، فرجع الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره ، فنزلت هذه الآية (2)
 أخبرني عمر بن شبة ، عن عبد الله بن موسى ، عن نعيم بن حكيم ، عن أبي مريم ، عن علي عليه السلام ، أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت الى النبي صلى الله عليه وآله ، تشتكي إليه الوليد ، وقالت : انه يضربها ، فقال لها : ارجعي الهى وقولي له : ان رسول الله قد أجارني ، فانطلقت ، فمكثت ساعة ، ثم رجعت فقال : انه ما أقلع عني ، فقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدبة من ثوبه وقال : اذهبي بها إليه وقولي له : أن رسول الله قد أجارني ، فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت : ما زادني إلا ضربا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده ثم قال : اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا (3)
 وروى عمر بن شبة ، عن رجاله ، أن جنديا لما قتل الساحر حبسه الوليد ، فقال له دينار بن دينار : فيم حبست هذا ، وقد قتل من أعلن بالسحر في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم مضى إليه فأخرجه من الحبس ، فأرسل الوليد الى دينار بن دينار فقتله (4)
____________
(1) سورة الحجرات : 6 .
(2) ابن أبي الحديد 17 : 238 . الأغاني 4 : 182 . أسباب النزول : 261 . أسد الغابة 5 : 9 . لباب النقول : 28 . الاستيعاب 4 : 62 . الدر المنثور 6 : 87 .
(3) ابن أبي الحديد 17 : 24 . الأغاني 4 : 183 .
(4) الأغاني 4 : 183 . ابن أبي الحديد 17 : 240 .

( 127 )

 روى حجاج بن نصير (1) ، عن قوة (2) ، عن محمد بن سيرين قال : انطلق بجندب بن كعب الأزدي قاتل الساحر بالكوفة الى السجن ، وعلى السجن رجل نصراني من قبل الوليد ، وكان يرى جندب بن كعب يقوم بالليل ويصبح صائما ، فوكل بالسجن رجلا ، ثم خرج فسأل الناس عن أفضل أهل الكوفة ، فقالوا : الأشعث بن قيس ، فاستضافه ، فجعل يراه ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه ، فخرج من عنده وسأل : أي أهل الكوفة أفضل ؟ فقالوا : جرير بن عبد الله ، فذهب إليه فوجده ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه ، فاستقبل القبلة وقال : ربي رب جندب ، وديني دين جندب ، ثم أسلم (3).
 وحدثنا عمر بن شبة ، عن المدائني ، قال : قدم الوليد بن عقبة الكوفة في أيام معاوية زائرا للمغيرة بن شعبة ، فأتاه أشراف الكوفة فسلموا عليه ، وقالوا : والله ما رأينا بعدك مثلك . فقال : أخيرا أم شرا ، فقالوا : بل خيرا . قال : ولكني ما رأيت بعدكم شرا منكم ، فأعادوا الثناء عليه ، فقال : بعض ما تأتون به ، فوالله ان بغضكم لتلف ، وأن حبكم لصلف (4).
 وروى عمر بن شبة ، أن قبيصة بن جابر كان ممن كثر على الوليد ، فقال معاوية يوما والوليد وقبيصة عنده : يا قبيصة ما كان شأنك وشأن الوليد ؟ قال : خير يا أمير المؤمنين ، انه في اول الأمر وصل الرحم ، وأحسن الكلام ، فلا تسأل عن شكر وحسن ثناء ، ثم غضب على الناس وغضبوا عليه ، وكنا معهم ، فإما ظالمون فنستغفر الله ، وإما مظلومون فيغفر الله له ، فخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين ، فإن الحديث ينسي القديم ، قال معاوية : ما أعلمه ألا قد أحسن السيرة ، وبسط 
____________
(1) أبو محمد حجاج بن نصير البصري القيسي مات 144 كان شيخا صدوقا روى عن فطر بن خليفة والمسعودي وقرة بن خالد وورقاء وعدة . تهذيب التهذيب 2 : 208 . ميزان الاعتدال 1 : 465 .
(2) أبو محمد قرة بن خالد السدوسي البصري المتوفى 154 حافظ ثقة كان متقنا ضابطا . تهذيب التهذيب 8 : 371 . الشذرات 1 : 337 .
(3) ابن أبي الحديد 17 : 241 . الأغاني 4 : 184 .
(4) ابن أبي الحديد 17 : 243 . الأغاني 4 : 184 .

( 128 )

الخير ، وقبض الشر ، قال : فأنت يا أمير المؤمنين اليوم أقدر على ذلك فافعله ، فقال : اسكت لاسكت ، فسكت وسكت القوم ، فقال معاوية بعد يسير : مالك لا تتكلم يا قبيصة ؟ قال : نهيتني عما كنت أحب ، نسكت عما لا أحب (1).
 حدثني محمد بن زكريا الغلابي ، عن عبد الله بن الضحاك ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه قال : وفد الوليد بن عقبة ، وكان جوادا ، الى معاوية فقيل له : هذا الوليد بن عقبة بالباب ، فقال : والله ليرجعن مغيظا غير معطى ، فانه الآن قد أتانا يقول : علي دين وعلي كذا ، ائذن له ، فأذن له ، فسأله وتحدث معه ، ثم قال له معاوية : أما والله ان كما لنحب اتيان مالك بالوادي ، ولقد كان يعجب أمير المؤمنين ، فإن رأيت أن تهبه ليزيد فافعل ، قالك هو ليزيد ، ثم خرج وجعل يختلف الى معاوية ، فقا له يوما انظر يا أمير المؤمنين في شأني ، فان علي مؤونة ، وقد ارهقني دين ، فقال له : ألا تستحي لنفسك وحسبك ، تأخذ ما تأخذه فتبذره ، ثم لا تنفك تشكو دينا ، فقال الوليد : افعل ثم انطلق من مكانه فسار الى الجزيرة وقال : يخاطب معاوية : 

فــإذا سألت تقـول : لا * واذا سألت تقــول : هات
تأبى فعــال الخيــر لا * تروي وأنت على الفــرات
أفلا تميــل الـى نعــم * أو ترك ـ لا ـ حتى الممات

 وبلغ معاوية شخوصه الى الجزيرة فخافه ، وكتب إليه أقبل ، فكتب : 

أعف واستعفي كما قد أمرتنـي * فاعط سواي ما بدا لك وابخـل
سأحدو ركابي عنك ان عزيمتي * إذا نابنــي أمر كملـه منصل
واني امرؤ للنأي مني تطـرب * وليس شبـا قفل علــي بمقفل

____________
(1) ابن أبي الحديد 17 : 243 .
( 129 )

ثم رحل الى الحجاز ، فبعث إليه معاوية بجائزة (1).
 حدثني عمر بن شبة ، عن هارون بن عمر ، عن أيوب بن سويد ، عن يحيى بن زياد ، عن عمر بن عبد الله الليثي ، قال : قال عمر بن الخطاب ليلة في مسيره الى الجابية : اين عبد الله بن عباس ، فأتى به ، فشكا إليه تخلف علي بن أبي طالب عليه السلام عنه ، قال ابن عباس : فقلت له : أولم يعتذر اليك ؟ قال : بلى ، قلت : فهو ما اعتذر به ، قال : ثم انشأ يحدثني فقال : ان اول من راثكم عن هذا الأمر أبو بكر ، ان قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة ، فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووقفت ، فقلت : يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت ، فقال : تكلم يا ابن عباس ، فقلت : أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووقفت ، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله عز وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، وأما قولك انهم كرهوا ان تكون لنا النبوة والخلافة فان الله عز وجل وصف قوما بالكراهية فقال : ذلك بانهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم فقال عمر : هيهات والله يا ابن عباس ، فقد كانت تبلغني عنك اشياء كت اكره ان أفرك عنها فتزيل منزلتك مني ، فقلت : وما هي يا أمير المؤمنين ، فان كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، وان كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه .
 فقال عمر : بلغني انك تقول ، انما صرفوها حسدا وظلما ، فقلت : اما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم ، وأما قولك حسدا فإن ابليس حسد آدم ، فنحن ولده المسحودون ، فقال عمر : هيهات أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا ما يحول ، وضغنا وغشا ما يزول ، فقلت : مهلا يا أمير المؤمنين لا تصب قلوب قوم اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش فان قلب 
____________
(1) ابن أبي الحديد 17 : 243 . الأغاني 4 : 187 .
( 130 )

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قلوب بني هاشم ، فقال عمر : اليك عني يا ابن عباس ، فقلت : أفعل ، فلما ذهبت لأقوم استحياء مني ، فقال يا ابن عباس ، مكانك فوالله اني لراع لحقك محب لما سرك ، فقلت يا أمير المؤمنين ، ان لي عليك حقا وعلى كل مسلم فمن حفظه فحظه أصاب ، ومن أضاعه فحظه أخطأ ثم قام فمضى (1).
 حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثنا عبد الله بن عمرو القيسي ، قال : حدثنا خارجة بن عبد الله بن أبي سفيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : خرجت مع عمر في أول غزوة غزاها ، فقال لي ليلة : يا ابن عباس ، أنشدني لشاعر الشعراء ، قلت من هو ؟ قال : ابن أبي سلمى ، قلت : ولم صار كذلك ، قال : لأنه لا يتبع حواشي الكلام ، ولا يعاظل في منطقه ، ولا يقول إلا ما يعرف ، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه ، أليس هو الذي يقول :

إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية * إلى المجد من يسبـق إليها يسود
سبقت إليها كل طلق مبــرّز * سبو الى الغايــات غير مزنّد

 قال : أي لا يحتاج الى أن بجلد الفرس بالسوط .

كفعل جواد يسبق الخيل عفــوه * السراع وإن يجهد ويجهدن يبعــد
فلو كان حمدا يخلد الناس لم تمت * ولكن حمد النــاس ليس بمخلـد

 أنشدني له ، فانشدته حتى برق الفجر ، فقال : حسبك الآن ، اقرأ القرآن ، قلت : ما أقرأ ؟ قال : الواقعة ، فقرأتها ونزل فأذن وصلى (2).
 حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثني أبو نعيم ، قال شريك ، عن مجالد عن 
____________
(1) ابن أبي الحديد 2 : 160 .
(2) الخطاطيف : جمع خطاف ، حديدة تستخرج بها الدلاء ، نوازع : جواذب.

( 131 )

الشعبي ، عن ربعي بن حراش ، قال : قال لنا عمر : يا معشر غطفان ، من الذي يقول :

أتيتك عاريا خلقا ثيابــي * على خوف تظن بي الظنون

 قلنا : النابغة ، قال : ذاك أشعر شعرائكم (1).
 حدثني عمر بن شبة ، قال : حدثنا عبيد بن جناد ، قال : حدثنا معن بن عبد الرحمن ، عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي ، عن جده ، عن الشعبي ، قال : قال عمر يوما : من أشعر الشعراء ؟ فقيل له : أنت أعلم يا أمير المؤمنين ، قال : من الذي يقول : 

إلا سليمان إذ قال المليــك له * قم في البرية فاحددها عن الفند (2)
وخيس الجن اني قد أذنت لهـم * يبنون تدمر بالصفاح والعمـد (3)

 قالوا : النابغة ، قال : فمن ذا الذي يقول : 

أتيتك عاريــا خلقا ثيابي * على خوف تظن بي الظنون

 قالوا : النابغة ، قال : فمن ذا الذي يقول : 

حلفت فلم أترك لنفسك ريبـة * وليس وراء الله للمـرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني خيانة * لمبلغك الواشـي أغش وأكذب

 قالوا : النابغة ، قال : فهو أشعر العرب (4).
 حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثني علي بن محمد المدائني ، قال : قام رجل 
____________
(1) ابن أبي الحديد 20 : 160. وخنس : انقبض.
(2) الانقاء : القطعة من الرمل . واطيلس تصغيرا طلس ، وهو ما في لونه غبرة الى السود.
(3) ابن أبي الحديد 20 : 161 .
(4) ابن أبي الحديد 20 : 161 .

( 132 )

الى ابن عباس ، فقال له : أي الناس أشعر قال : اخبره يا أبا الأسود ، فقال أبو الأسود الذي يقول : 

فانك كالليل الذي هو مدركــي * وان خلت أن المنتأى عنك واسع

 يعني النابغة (1)
 أخبرني عمر بن شبة ، عن أبي بكر العليمي ، عن الأصمعي قال : كان يضرب للنابغة قبة أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها ، فانشده مرة الأعشى ، ثم حسان بن ثابت ، ثم قوم من الشعراء ، ثم جاءت الخنساء فأنشدته :

وإن صخرا لتأتم الهداة به * كأنه علــم في رأسه نار

 فقال : لولا أن أبا بصير ـ يعني الأعشى ـ أنشدني آنفا لقلت : انك أشعر الأنس والجن ، فقام حسان بن ثابت ، فقال : أنا والله أشعر منها ومنك ومن أبيك ، فقال له النابغة : يا ابن أخي ، أنت لا تحسن أن تقول :

فانك كالليـل الذي هو مدركـي * وان خلـت أن المنتـأى عنك واسع
خطاطيف حجن في جلال متينة * تمـد بهــا أيد اليــك نوازع (2)

 قال : فخنس حسان لقوله (3).
 أخبرني عمر ، عن الأصمعي ، عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : حدثني رجل سماه أبو عمرو ، وأنسيته ، قال : بينما نحن نسير بين انقاء (4) من الأرض ، فتذاكرنا الشعر ، فإذا راكب اطيلس بقول : أشعر الناس زياد بن معاوية ثم تملس 
____________
(1) ابن أبي الحديد 20 : 160 .
(2) الخطاطيف : جمع خطاف ، حديدة تستخرج بها الدلاء ، نوازع : جواذب .
(3) ابن أبي الحديد 20 : 160 . وخنس : انقبض .
(4) الانقاء : القطعة من الرمل . واطيلس تصغير اطلس ، وهو ما في لونه غيره الى السواد . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق