الأحد، 30 سبتمبر 2012

بنور فاطمة صلوات الله عليها اهتديت 4 عبد المنعم حسن








بنور فاطمة صلوات الله عليها اهتديت


عبد المنعم حسن


الاهداء
إلى بضعة المصطفى وقرة عينه...
إلى التي ترعرعت في بيت الوحي وتربت في حضن أعظم الأنبياء...
إلى الصديقة الطاهرة المطهرة المعصومة..
وصاحبة المواقف الفاصلة..
إلى المظلومة المقهورة المهضوم حقها..
إلى الشمعة التي أخذتني إلى حيث الهداية..
وفتحت لي آفاق نور الولاية..
سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء (ع)..
وإلى حفيدها الأمل المرتجى وكاشف الدجى.
العدل المنتظر المهدي الحجة بن الحسن عجل الله فرجه الشريف الإمام الثاني عشر والخاتم الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا..
راجيا القبول

يخرجاه (1).
4 - جاء في صحيح البخاري كتاب بدء الخليقة في باب علامات النبوة ج 4 ص 250 بسند عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي ما تخرم مشيتها مشية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها لم تبكين؟! ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألتها فقالت: أسر إلي أن جبرائيل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكيت فقال: أما ترضي أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة فضحكت لذلك (2).
وأورد الترمذي في سننه كتاب المناقب عن حذيفة قال: " أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال: من هذا حذيفة؟ قلت: نعم قال: ما حاجتك غفر الله لك ولأمك؟ ثم قال: إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (3).
وجاء في المستدرك ج 2 ص 294 بسنده عن عائشة قالت لفاطمة: ألا أبشرك؟
إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول " سيدات نساء أهل الجنة أربع
____________
(1) - ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ج 5 ص 522، وابن حجر في الإصابة ج 5 ص 156.. كما جاء في ميزان الاعتدال للذهبي وغيرها من المصادر.
(2) - وذكره أيضا في باب مناقب قرابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ج 4 ص 281 كما رواه مسلم في صحيحه وأحمد بن حنبل في مسنده.
(3) - ورواه ابن حجر في الصواعق ص 191 والحاكم في المستدرك ج 3 ص 151، كتاب مناقب الصحابة وقال عنه صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

الصفحة 72
مريم بنت عمران، وفاطمة بنت محمد، وخديجة بنت خويلد، وآسيا بنت مزاحم ".
وقال عنه الحاكم النيسابوري حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " يقصد بخاري ومسلم ".
وجاء في كنز العمال ج 7 ص 111 أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.
وذكر محي الدين الطبري حديث أفضل أربع نساء فضلهم الله في ذخائر العقبى ص 44 وأضاف وأفضلهم فاطمة.
5 - عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها (1).
6 - أورد السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) قال: وأخرج الطبراني عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقا ولا أطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة ".
وروى الحاكم في المستدرك ج 3 ص 156 بسنده عن سعد بن مالك قال:
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أتاني جبرئيل (ع) بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة بفاطمة فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة ".
7 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث. وإنما سماها فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار، ذكره ابن حجر في صواعقه ص 160 كما أخرجه النسائي وجاء في تاريخ بغداد أيضا ج 12 ص 331.
____________
(1) - رواه الحاكم في مستدركه ج 3 ص 160 وقال حديث صحيح على شرط سلم.. كما ذكره ابن عبد البر في استيعابه ج 2 ص 751.

الصفحة 73
8 - في صحيح الترمذي ج 2 ص 319 عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. قالت: وكانت إذا دخلت على النبي قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها الحديث.
رواه أيضا أبو داوود في صحيحه ج 33 في باب ما جاء في القيام. ورواه الحاكم أيضا في مستدرك الصحيحين ج 3 ص 154.
9 - جاء في مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 275 كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا سافر جعل آخر عهده فاطمة وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة..
وذكر ذلك الحاكم في المستدرك ج 1 ص 489 ورواه البيهقي في سننه.
10 - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي وفاطمة والحسنين: " أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم " رواه أحمد بن حنبل في مسنده ج 2 ص 442 والحاكم في المستدرك ص 149 وابن الأثير في أسد الغابة ج 3 ص 11 و ج 5 ص 523.
11 - في الصواعق المحرقة لابن حجر ص 190 أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: " يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق " ذكره الحاكم في المستدرك ج 3 ص 153.
كانت جولتنا مع أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حول فاطمة قصيرة مقارنة بما ورد في حقها ولكن هذا القدر يكفي للعاقل حتى يتعرف على الزهراء (ع) التي أحاطتها العناية الإلهية من قبل ميلادها وكانت في جنة الخلد... هنالك كان المبدأ كما في رواية الإسراء والجنة هي النهاية كما علمت وما بين الانطلاقة الأولى من الجنة والمنتهى فيها كانت حياة الزهراء عظيمة تنبض بكل معاني القيم النبيلة.. فهل من

الصفحة 74
الممكن أن يكون هناك نشاز في منتصف الطريق؟! يقينا لا، لذلك أوصى الرسول بفاطمة كثيرا وحذر الناس من غضبها الذي يعني غضبه بل وغضب الله عز وجل كما مر وشهدت لها عائشة بأنها أصدق الناس لهجة فهي الصديقة كما أن العناية الإلهية كان لها الدور المباشر في صياغة شخصية الزهراء فصار أذاها أذى الرسول الذي يعني أذى الرسالة ونزل الوحي يجلجل بالتطهير كما جاء في آية التطهير وتأكيدا على قدسية المسير ومباركة الرب لعمل فاطمة وأهل بيتها كانت سورة الإنسان.... وحتى نزداد يقينا بارتباط الزهراء بالوحي واستقامتها كانت المباهلة ثم الزواج المبارك الذي تم في السماء قبل أن يتم في الأراض بأمره سبحانه وتعالى. ورعاية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الخاصة بفاطمة حتى إنه عند قدومها يقبلها ويجلسها في مجلسه وكذا العكس.. ولا يخرج (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر إلا أن يكون آخر من يودعه ابنته وأول من يسلم عليه عندما يعود.. هي سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة، إذا كل فعل تفعله هو فعل أهل الجنة وكل موقف تقفه هو موقف أهل الجنة ولو نظرت في الجنة لرأيت نعيما وملكا كبيرا ويأتي المنادي غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة وتستقر في مقام محمود منه انطلقت وإليه تعود.
هذه المسيرة المقدسة، وهذه العظمة ألا تدفعنا للوقوف إجلالا وإعظاما لشخصية قدستها السماء وبارك مسيرتها أبوها صاحب رسالة السماء؟ كل ذلك ألا يجعلنا نتوقف قليلا أمام مواقفها؟ يبدوا لي أننا حتى نستوعب كل ذلك نحتاج إلى عقل سليم وقلب مفرغ من الغرور والاستكبار والهوى لقد جسدت الزهراء تعاليم الوحي.. وسارت وفق هداه فكانت من الجنة إلى الجنة وما بين ذلك غضبها هو غضب الله فتأمل وتفكر وتدبر.

الصفحة 75
موقف الزهراء (ع) هو " الفيصل "
في الأحداث التاريخية يلعب العقل دورا كبيرا في استخلاص النتائج والاعتبار بها والاستفادة منها ومن ثم الانطلاق لتحديد موقف معين تجاه تلك الأحداث.
والتاريخ الإسلامي كتاب الثقافة الذي حفظ لنا تراثا ضخما، ما زالت الأمة تعيش على معينه.. وطوال تاريخ أمتنا الإسلامية مرت أحداث عظام مثلت منحى لهذه الحضارة التي قامت أسسها على تعاليم الوحي بشقيه القرآن والسنة. وبما أن التاريخ ثبت لنا مجموعة من الأحداث يجب علينا نحن اليوم النظر فيها بعين الإنصاف، كما يجب علينا التعقل لنستخلص منها عبرا تعيننا لتحديد اتجاه السير الصحيح خصوصا وأن الأمة وبعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) شهدت اختلافا كبيرا امتدت آثاره إلى يومنا هذا.
وقضية الزهراء (ع) ومأساتها لم تكن لتنفك عن أمر الرسالة الإسلامية، وموقف الزهراء (ع) لا يمكن أن يمر عليه العاقل المهتم بأمر الإسلام مرور الغافلين، بل لا بد من التوقف عنده والسؤال، هل كان موقف فاطمة (ع) يعني شيئا في مسيرة تحديد هويات الاتجاهات المختلفة؟ ذلك ما سنعرفه الآن، ولكن هناك مقدمة ضرورية قبل الإجابة على هذا السؤال وهي:
نحن في تحديدنا للمواقف المتعددة يجب وقبل كل شئ معرفة صاحب الموقف معرفة تامة لأن ذلك يعيننا لتشخيص وتحليل الموقف تماما وهذا شئ طبيعي وعقلائي، فمثلا عندما يقف الرسول موقفا معاديا لشخص آخر فإننا تلقائيا ندين الطرف الآخر الذي وقف منه الرسول موقفا عدائيا لأننا على يقين بأن الرسول هو المقياس للفصل بين الحق والباطل وبالتالي إذا وقف في وجه شخص آخر فذلك الشخص على خطأ لا يحتاج منا إلى بيان ولكن هذا احتاج منا إلى مقدمات تجاوزناها سلفا وهي عصمة الرسول وحجية قوله وفعله وتقريره وهذه الحجية لا تكون إلا إذا كان قوله (صلى الله

الصفحة 76
عليه وآله وسلم) وفعله وتقريره حقا ولا يمكن أن يكون بحال من الأحوال باطلا لأن القول بخطأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستلزم الطعن في القرآن الذي أمر بطاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون قيد أو شرط، بل ليس الطاعة فقط وعدم المخالفة إنما عدم الحرج في قضائه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).. من هذه الخلفية نكون على اطمئنان بكل موقف يقفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أن معرفتنا للشخصية تجعلنا نقيم الأحداث بشكل سليم بأفضل ما يكون.
والزهراء (ع) رفضت أن تبايع الخليفة.. وعارضته بأشد ما يكون وتركت آثار معارضتها إلى الآن إذ أنها أمرت بدفنها ليلا وسرا (ولم يكشف عن مكان قبرها إلى الآن)، فما مدى تأثير هذا الموقف الذي جوبه بأشد أنواع العنف، في سير الرسالة وما مدى حجيته علينا نحن المسلمين اليوم. وإن ذلك يستدعي التعرف على شخصية الزهراء بصورة تفصيلية خصوصا فيما يختص بالحجية " يعني هل فعلها حجة لها أم عليها " وذلك من الناحية التشريعية وإلا قد مر عليك فضائل الزهراء ومناقبها.
عصمة الزهراء (ع)
المتتبع للنصوص الواردة في القرآن والسنة الشريفة عن أهل البيت (ع) بما فيهم الزهراء (ع) لا يجد سوى الاقرار بعصمتهم وعلو شأنهم عن الذنوب والمعاصي، وإليك لمحات من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تثبت عصمة أهل البيت (ع) وطهارتهم وقد مر عليك ذكر بعضها.
لقد مرت عليك عزيزي القارئ آية التطهير ودلالتها على عصمة أهل البيت المقصودين في الآية وفاطمة منهم ونورد الأدلة التالية تعزيزا لقولنا بعصمة فاطمة (ع):
1 - قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها " إن الله يغضب لغضبها

الصفحة 77
ويرضى لرضاها "، هذا القول للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تلازمه العصمة لأنه من المستحيل أن يناط غضب الزهراء بغضب الله سبحانه وهي غير معصومة... لأن القول بعدم عصمتها يعني إمكانية وقوعها في الزلل والخطأ وربما تغضب لغير الحق، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلامه إطلاق بلا تقييد يعني أن الزهراء (ع) لن تغضب إلا لشئ يغضب الله بسببه ومن كان غضبه يعني غضب الله فهو لن يفعل إلا الحق ولن يخطئ أو يميل إلى الباطل طرفة عين وبالتالي يمثل غضبه الحق، وفي الواقع إن هذا الحديث يدلل أن للزهراء مكانة عظيمة لا تدرك بالعقول.
ولبيان هذه العظمة التي من تجلياتها عصمتها (ع) أكد الرسول تكرارا عليها كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها " (1). إن أذى الرسول يعني أذى الرسالة، أذى القيم والمبادئ، لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو محور الحق بل هو الحق الذي يجب أن نقتبس منه، إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يمثل الإرادة الإلهية وهو قطب الرحى الذي به يعرف الموحد من المشرك والكافر إذ أن الله تعالى غيب لا ندركه بعقولنا وأوهامنا والارتباط به تعالى يكون عبر رسله وأنبيائه. لذلك كان مبعث الأنبياء وتولية الأوصياء. ولذلك لا يكون الرسول إلا معصوما حتى لا يفترق عن الحق لحظة واحدة وبالتالي تكون كل تصرفاته حق وأذيته تعني التحدي للرسالة والإرادة الإلهية ولبيان هذه الحقيقة يقول القرآن الكريم (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) (سورة الأحزاب: آية / 57) وأكرر القول إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما يتحدث عن شخص أو يدلى بأي حديث فمن منطلق مسؤوليته تجاه الرسالة وبالتالي يستبعد أي مجاملات أو تقريظ بلا حق، والمتفق عليه أن قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وفعله وتقريره حجة يعني شرع نتعبد به قربة إلى الله تعالى. وقد قال عليه وآله الصلاة
____________
(1) - لمعرفة مصادر هذه الأحاديث يرجى مراجعة فضائل الزهراء في هذا الكتاب.

الصفحة 78
والسلام فاطمة بضعة مني يعني هي جزء لا يتجزأ من كيانه وروحه وهو كما قلنا محور الحق والشرع وبالتالي تكون الزهراء (ع) أيضا كذلك، لذلك جعل الرسول أذاها أذاه وكل شئ يريبها يريبه وهو المعصوم الذي لا تميل به الأهواء ومن يكون جزءا منه يؤذيه ما يؤذيه فهو أيضا مؤهل أن يكون معصوما. وبهذا التقريب نرى عصمة الزهراء (ع) جلية وواضحة فقط تحتاج إلى وجدان صاف سليم وعقل مستنير.
2 - قوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) إن كل الأنبياء السابقين لم يطلبوا أجرا من أقوامهم إنما كان قولهم (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) لقد ذكر ذلك في القرآن على لسان الأنبياء نوح وهود وصالح ولوط وشعيب (1). ولكن نبينا الأعظم أمره الله عز وجل بأن يسأل أمته المودة في القربى ولكن لا لكي يستفيد هو بل لتستفيد أمته، لأنه ليس بدعا من الرسل ليطالب بأجر لرسالته من دون الرسل، كما أنه ليس من المتكلفين كما جاء على لسانه قوله تعالى (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) (2)، ودليلنا على أن الفائدة من هذا الأجر الذي طلبه منا تعود علينا نحن قوله تعالى (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله) (3)، وبنظرة أخرى إلى آيات القرآن الحكيم نجد أن هذا الأجر المتمثل في مودة القربى هو السبيل إلى الله تعالى في قوله عز وجل (ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) (4)، وهو الذكرى للعالمين كما يقول تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى
____________
(1) - مراجعة الآيات 109 - 127 - 132 - 145 - 164 - 180) من سورة الشعراء.
وقد جاء في صحيح البخاري في المناقب ج 4 ص 219 عن ابن عباس قال: إلا المودة في القربى، القربى قربى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
(2) - سورة ص: آية / 86.
(3) - صورة سبأ: آية / 47.
(4) - سورة الفرقان: آية / 57.

الصفحة 79
للعالمين) (1). إذا مودة القربى هي الذكرى وهي السبيل الذي يقول عنه تعالى (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) والسبيل إلى الله لا بد أن يكون قويما لا عوج فيه يعني باتباعه نضمن أننا على الصراط المستقيم ونهايتنا الجنة بمعنى أقرب لا بد أن يكون معصوما وقد تجسد في القربى وهم أهل البيت (ع) كما هو المسلم به عند جميع المسلمين فيما يرتبط بنزول الآية في أهل البيت (ع) وفاطمة عماد ذلك البيت فوجب أن تكون معصومة لأنها أحد مصاديق ذلك السبيل.
3 - فاطمة (ع) ومريم (ع): فيما سبق من روايات وضح لنا أن فاطمة الزهراء (ع) هي سيدة نساء العالمين وهي سيدة نساء الجنة. وما إليه من أحاديث تثبت أن الزهراء (ع) أفضل النساء من الأولين والآخرين، ومن جملة النساء الكمل مريم الصديقة (ع) أم النبي عيسى (ع) لقد ارتقت مريم سلم الكمال حتى اصطفاها الله تعالى وطهرها، بل وخاطبها الوحي كما جاء في القرآن الكريم يقول تعالى (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين) (سورة آل عمران: آية / 42) لقد طهر الله مريم واصطفاها وهذه هي العصمة بعينها، ولا يمكن بمجال أن يكون الفاضل أقل درجة من المفضول فإذا ثبتت عصمة مريم (ع) فبالأولى إثبات عصمة الزهراء (ع) لأنها أعلى رتبة وأخص درجة بما عرفت عنها ومدح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لها.
لقد أوردنا ما أوردناه لإثبات عصمة الزهراء (ع) أو لا أقل بيان قدسيتها بحيث يمتنع صدور فعل قبيح منها يخالف الشرع أو يرضي طموحا شخصيا لها. ورغم قناعتي بأن الكثير من المسلمين لا يحتاجون إلى مزيد من الكلام حول طهارتها وقدسيتها إلا أنني تأكيدا للحجة على المعاندين والمغالطين أطلت الحديث عن هذا الموضوع ولأنه سيكون المعتمد الأساسي في الإجابة على سؤال عريض سيواجهنا وتجب الإجابة عليه.
____________
(1) - سورة الأنعام: آية / 90.

الصفحة 80
ألا وهو أين نقف نحن بالنسبة لموقف الزهراء من أبي بكر؟ وكيف المخرج؟ هل يجوز لنا القول بأن الزهراء (ع) مخطئة؟
أما بالنسبة للسؤال الأخير فلا يحق لنا ذلك بل إن القول به يعني الكفر بالله وبآياته وبرسوله، ويبدو لي أن الإجابة على بقية الأسئلة واضحة ولا تحتاج إلى كبير عناء.
ولكن قبل أن أنهي الحديث عن هذا الموضوع، الذي أترك فيه المجال لأصحاب العقول المنيرة والضمائر الحية ليحددوا فيه الموقف، أعرج على حديث شغلني كثيرا وأنا أقيم موقف الزهراء (ع) من الخليفة أبي بكر وغضبها وعدم السماح له ولعمر بالصلاة عليه حتى وهي ميتة، ألا وهو الحديث المشهور (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
حسنا لقد أصبح أبو بكر خليفة للمسلمين بعد انتقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الرفيق الأعلى. والخليفة هو الإمام وقد جاء في الحديث أن من لم يعرفه يموت ميتة كميتة الجاهلية. وفاطمة (ع) ليس فقط لم تعرف الخليفة بل عارضته وهاجمته وغضبت عليه وأمرت أن لا يصلي عليها فكيف المخرج من هذه المعضلة؟!
فإما أن تكون فاطمة ماتت ميتة جاهلية والعياذ بالله وهذا ما لا يقول به مؤمن برسالة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) وإما أن تكون في موقفها على حق وبالتالي تنسف كل شرعية للخلافة القائمة آنذاك وهو ما قامت عليه الأدلة والبراهين فثبتت نقلا وعقلا كما بينا وسنبين المزيد إن شاء الله تعالى.
بماذا طالبت الزهراء (ع)؟
لقد جاء في البخاري ومسلم وغيرهما من المصادر أن الزهراء طالبت بفدك ولا شك ولا ريب أنها كانت تطالب بشئ تعتبره ملكا لها أو حقا شرعيا خاصا بها.
لقد طالبت فاطمة بالإضافة إلى فدك بحقوق أخرى سنذكرها.. لكنها أظهرت

الصفحة 81
فدك باعتبار أن ملكيتها آلت إليها بوجود الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل وفاته وبالتالي لا ربط لها بقضية الميراث التي زعموا أن الرسول خارج عنها.
أما فدك فقد قال عنها ياقوت هي قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة وفيها عين فوارة ونخيل كثير (1) وقصتها أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إلى أهل فدك وهو بخيبر منصرفه منه يدعوهم إلى الإسلام فأبوا فلما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر قذف الله الرعب في قلوبهم فبعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصالحونه على التصرف فقبل منهم (2).
وفي فتوح البلدان: فكان نصف فدك خالصا لرسول الله لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب.
لقد كانت فدك ملكا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعلوم أن من حقه التصرف في ملكه وقد كان ذلك حينما منحها لقرة عينيه فاطمة كما جاء في شواهد التنزيل للحسكاني وميزان الاعتدال للذهبي ومجمع الزوائد للهيثمي والدر المنثور للسيوطي واللفظ للأول عن أبي سعيد الخدري: لما نزلت (وآت ذا القربى حقه) دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وأعطاها فدك (3).
إذا فدك كانت ملكا وحقا لفاطمة الزهراء ولا يجوز بحال من الأحوال منعها هذا الحق وهي هي كما علمت.. فكيف يجرؤ أحد على منعها ما أعطاه لها الرسول بأي حق كان ذلك؟ لقد قالوا أن الأنبياء لا تورث - ورغم عدم ثبوت ذلك فإن فدك لم تكن من التركة حتى يحتج عليها بهذا الحديث، ولقد تدرجت الزهراء في
____________
(1) - بمادة (فدك) من معجم البلدان.
(2) - سيرة ابن هشام 3 / 408 مغازي الواقدي ص 706 / 707 وشرح النهج 4 / 78.
(3) - تفسير الآية 26 من سورة بني إسرائيل في شواهد التنزيل 1 / 338 - 341، والدر المنثور 4 / 177 وميزان الاعتدال 2 / 228 ومجمع الزوائد والكشاف وتاريخ ابن كثير 2 / 36، تفسير الطبري ج 15 ص 72 ط 2 ينابيع المودة.

الصفحة 82
مطالبتها بحقوقها حتى تتضح الأمور لذي عينين غير أن بعض الأحاديث جاءت مجملة غير مفصلة تختلط فيها لدى القارئ أوراق القضية فيظن أن فدكا كانت ميراثا وكذلك سهم ذي القربى في حين أن كل ذلك غير الميراث، وحتى تتضح الرؤية دعنا نفصل بعض الشئ في هذا الأمر.
لقد طالبت فاطمة أولا بما أعطاه لها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ثانيا بإرث الرسول وثالثا بسهم ذي القربى، بسهم ذي القربى، وإليك بعض الكلام في هذه المطالبات.
أولا: المطالبة باسترداد فدك التي لها ملكيتها.
جاء في فتوح البلدان: إن فاطمة (رض) قالت لأبي بكر الصديق (رض) أعطني فدك فقد جعلها رسول الله لي، فسألها البينة فجاءت بأم أيمن ورباح مولى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشهدا لها بذلك، فقال: إن هذا الأمر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل ومرأتين (1).
وفي رواية أخرى: " شهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهدا أخر فشهدت لها أم أيمن "، وإن عشت أراك الدهر عجبا فاطمة (ع) التي نزلت آيات القرآن تطهرها وتعصمها تكذب وتسأل البينة. إنها سيدة نساء العالمين. الصديقة الطاهرة التي بلغت درجة من العصمة والطهارة حتى صار غضبها غضب الرب ورضاها، رضاه لقد قبل المسلمون شهادة أبي بكر في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " فكيف لا يقبلون ادعاء الزهراء بأن فدكا ملكها؟ لقد تجلت حكمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما أكد على مكانة الزهراء وصدقها في الأحاديث المتقدمة خاصة ما جاء على لسان عائشة بنت أبي بكر لقد قالت ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها أي فاطمة (ع).
لقد وقفت حائرا أمام هذا الموقف! أين أقف؟! هل أضرب بكلام الوحي وقول
____________
(1) - فتوح البلدان: 1 / 34 - 35.

الصفحة 83
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن فاطمة عرض الحائط، وأؤيد تكذيب القوم لها!
أم ماذا أفعل؟ بلا شك لن أجعل كلام الرسول هذرا ولن أضعه وراء ظهري كما أنني لن أبرر ما فعلوه حينما صدوا الزهراء عن حقها.. لقد استولى أبو بكر على فدك كما استولى على غيرها من الأملاك والحقوق الخاصة بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)..
ولا أرى مبررا وجيها يدعوه لمنع الحق عن أصحابه إلا أن يكون هنالك أمر آخر ربما خفي علي وعليك أيها القارئ العزيز لكن مجريات الأحداث ستبين لك ما هو غامض!!
ثانيا: مطالبتها بإرث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
عن أبي الطفيل بمسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داوود وتاريخ الذهبي وتاريخ ابن كثير وشرح النهج واللفظ للأول قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أهله؟
قال: فقال: " لا، بل أهله "، قالت: فأين سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
وفي رواية عن أبي هريرة في سنن الترمذي: أن فاطمة جاءت إلى أبي بكر وعمر (رض) تسأل ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالا: سمعنا رسول الله يقول " إني لا أورث "، قالت والله لا أكلمكما أبدا، فماتت ولا تكلمهما " (2).
وغيرها من الروايات الكثيرة التي تتحدث عن منع أبي بكر فاطمة ميراثها من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أبيها، بما في ذلك الحديث الذي بدأنا به هذا البحث.
____________
(1) - مسند أحمد 1 / 4 الحديث 14، وسنن أبي داوود 3 / 5 كتاب الخراج وتاريخ ابن كثير 5 / 289، وشرح النهج 4 / 81، وتاريخ الذهبي.
(2) - سنن الترمذي 7 / 111، أبواب السير كما جاء في تركة الرسول كما جاءت بمسند أحمد بن حنبل عن أبي هريرة أيضا ج 1 / 10 الحديث 60.

الصفحة 84
ثالثا: المطالبة بسهم ذي القربى.
لقد منعوها ملكها الخالص " فدك " وجاؤوها بحديث " الأنبياء لا يورثون " الذي قال فيه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة " المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده " وقال " إن أكثر الروايات أنه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده، ذكر ذلك أعظم المحدثين حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم بالخبر برواية الصحابي الواحد، وقال شيخنا أبو علي: لا يقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلهم، واحتجوا بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " (1).
عندما لم يجيبوها في كل ذلك طالبتهم بسهم ذي القربى، فقد جاء عن أنس بن مالك أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت لقد علمت الذي ظلمتنا أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى. ثم قرأت عليه قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) فقال لها أبو بكر بأبي أنت وأمي السمع والطاعة لكتاب الله ولحق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحق قرابته وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرأين منه، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس مسلم إليكم كاملا قالت: فلك هو ولأقربائك؟! قال: لا، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين، قالت: ليس هذا حكم الله (2).
وفي فتوح البلدان وطبقات ابن سعد وتاريخ الإسلام للذهبي وشرح النهج عن أم هاني قالت: إن فاطمة بنت رسول الله أتت أبا بكر (رض) فقالت: من يرثك إذا مت؟ قال: ولدي وأهلي، قالت: فما بالك ورثت رسول الله دوننا؟! قال: يا بنت رسول الله ما ورث أبوك ذهبا ولا فضة، فقالت: سهمنا بخيبر وصافيتنا فدك.
____________
(1) - شرح النهج 4 / 82 - 85.
(2) - تاريخ الإسلام للذهبي 1 / 347، شرح النهج 4 / 81.

الصفحة 85
ولفظ طبقات ابن سعد: فسهم الله الذي جعله لنا وصافيتنا بيدك.
وفي لفظ ابن أبي الحديد وتاريخ الإسلام للذهبي:
قال: ما فعلت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالت: بلى إنك عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذتها، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا (1).
لقد طالبت الزهراء (ع) بحقوقها كاملة فلم تحصل منها على شئ ولا أدري لماذا منعت وردت! إما لأنها كذبت في دعواها وحاشا لمن وعى كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآمن بالوحي حقا أن يدعي عليها مثل هذه الفرية وقد علمت حرص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث عن فاطمة (ع) حتى لا تذهب المذاهب بالقوم وكيف يمكن أن تكذب وهي المطهرة بنص القرآن والمعصومة والصادقة في سيرتها كما جاء في الروايات وهي التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها؟ إنها الزهراء (ع) ميزان الحق الذي به يعرف الباطل وأي خطأ وخطل يرتكب من يحاول أن يشكك في حقها الذي طالبت به؟ لأن ذلك يعني الشك في قول الله تعالى وقول رسوله.
وليس هناك مجال لمدح يدعي أنها كانت جاهلة بحقوقها وأنها ربما لم تسمع بأنها لن ترث أباها وأن ملكها يمكن أن يتصرف فيه الخليفة كيف يشاء. إذ أن من المستحيل أن يغفل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيان ذلك لابنته الزهراء (ع)، وهي المعنية بالأمر في الدرجة الأولى دون سائر المسلمين.. وزوجها هو علي بن أبي طالب الذي قال عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) " أنا مدينة العلم وعلي بابها " (2)، وقد أكد علي (ع) دعوى فاطمة (ع) حينما قال أبو بكر: قال
____________
(1) - فتوح البلدان 1 / 35 وطبقات ابن سعد 2 / 314 - 315 وشرح النهج 4 / 81 وتاريخ الإسلام للذهبي 1 / 346.
(2) - أسد الغابة ج 4 ص 22، مستدرك الحاكم وشواهد التنزيل وتاريخ ابن عساكر وغيرها من المصادر.

الصفحة 86
رسول الله " لا نورث ما تركناه صدقة " فقال علي: (وورث سليمان داوود) وقال يرثني ويرث من آل يعقوب) قال أبو بكر: هو هكذا وأنت والله تعلم مثل ما أعلم فقال علي: هذا كتاب الله ينطق! فسكتوا وانصرفوا (1).
إذا فاطمة كانت تدرك تماما ما تفعله وعن علم كامل بحقوقها وإلا لماذا استمر غضبها إلى حين وفاتها ولم تتراجع بل احتجت على أبي بكر بأن الأنبياء يورثون من القرآن الحكيم في خطبتها التي خطبتها أمام الخليفة الأول وذلك بعد منعها منحتها وإرثها وحقها في الخمس.
جاء في شرح النهج وبلاغات النساء لأحمد بن طاهر البغدادي: لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها على رأسها واشتملت جلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت كلامها بالحمد لله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسول الله ثم قالت: أنا فاطمة بنت محمد أقول عودا على بدء، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم، ثم استرسلت في خطبتها إلى قولها:
ثم أنتم الآن، تزعمون أن لا إرث لنا أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون يا ابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون.
____________
(1) - طبقات ابن سعد 2 / 315 وكنز العمال 5 / 365 كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال.

الصفحة 87
وفي معرض خطبتها الغراء تواصل الزهراء احتجاجها بما جاء من القرآن عن ميراث الأنبياء فقالت: أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول الله تبارك وتعالى: (وورث سليمان داوود) وقال الله عز وجل في ما قص من خبر زكريا (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) وقال عز ذكره (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقال (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وقال (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي أفخصكم الله بآية أخرج نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) منها أم تقولون: أهل ملتين لا يتوارثان.
أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن من أبي وابن عمي أفحكم الجاهلية تبغون... (1).
إن للزهراء من منازل القدس عند الله عز وجل ورسوله والمؤمنين ما يوجب الثقة التامة في صحة ما تدعي والطمأنينة الكاملة بكل ما تنطق به، ولا تحتاج - عليها السلام - في كلامها إلى شاهد... ودعواها بمجردها تكشف عن صحة المدعى به كشفا تاما بلا نقصان.. ومع ذلك فقد جاءت - كما ذكرنا - بشاهد لا أظن أنهم يحتاجون إلى شاهد معه وهو علي (ع) أخو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا يفارق الحق والقرآن أبدا.. ولكن رفضت شهادته ولعمري إن شهادة علي أولى من شهادة خزيمة التي جعلها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كشهادة عدلين... ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي (ع) كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين فلماذا لم يطلب أبو بكر من فاطمة اليمين فإن حلفت وإلا ردت دعواها؟! لوجوب الحكم بالشاهد واليمين كما رواه مسلم في أول كتاب الأقضية عن ابن عباس قال: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيمين وشاهد، ونقل في الكنز عن الدارقطني عن ابن عمار قال: قضى الله في الحق بشاهدين، فإن جاء بشاهدين أخذ حقه وإن جاء
____________
(1) - بلاغات النساء: 12، 15، 16، 17.

الصفحة 88
بشاهد واحد حلف معه.
ومما يحير الألباب أن تكذب فاطمة وترد دعواها ولا تقبل شهادة علي كل ذلك حرصا منهم على منعها منحة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن جعلوها من متروكات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يعني من حق ورثته.
لكنهم جاؤوا بحديث " الأنبياء لا يورثون " واحتجت عليهم الزهراء في خطبتها بأنها تستحق ميراث رسول الله فذكرت من الأدلة القرآنية ما يروي الظمأ ويبين الحق وتلت الآيات التي ورث فيها الأنبياء وكون حكمها عاما يشمل ابنة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم عرجت على آيات الميراث العامة والتي خوطب بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان الأولى أن تطبق عليه ثم على سائر المسلمين، يقول السيد عبد الحسين الموسوي: " إن توريث الأنبياء منصوص عليه بعموم قوله عز من قائل (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) وقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) إلى آخر آيات المواريث وكلها عامة تشمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن دونه من سائر البشر فهي على حد قوله عز وجل (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم). وقوله سبحانه وتعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) الآية. ونحو ذلك من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكل مكلف من البشر لا فرق بينه وبينهم، غير أن الخطاب فيها متوجه إليه ليعمل به وليبلغه إلى من سواه، فهو من هذه الحيثية أولى في الالتزام بالحكم من غيره كذلك آيات الميراث تخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كغيره من سائر الناس عملا بظاهر الآيات الكريمة " (1).
أما كون الأنبياء السابقين قد ورثوا المال فهذا ما نجده في ظاهر الآيات التي
____________
(1) - النص والاجتهاد السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي فقرة توريث الأنبياء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق