الجمعة، 21 سبتمبر 2012

السَّقِيفَةُ وَفَدَكْ 11


السَّقِيفَةُ وَفَدَكْ
لأبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي
المتوفى ـ 323 هـ


اصدار
مكتبة نينوى الحديثة
طهران ناصر خسرو ـ مروي
تقديم وجمع وتحقيق
الدكتور محمد هادي الأميني

( 1 )

السَقّيفة وفَدكُ

لأبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي
المتوفى ـ 323هـ

رواية
عز الدين عبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلي المتوفى 656


تقديم وجمع وتحقيق
الدكتور محمد هادي الأميني
1

فلم نره (1).
 أخبرني عمر بن شبة ، عن الأصمعي قال : سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول : ما ينبغي لزهير ألا ان يكون أجيرا للنابغة (2)
 أخبرنا عمر بن شبة ، قال : قال عمرو بن المنتشر المرادي : وفدنا على عبد الملك بن مروان ، فدخلنا عليه ، فقام رجل فاعتذر من أمر وحلف عليه ، فقال له عبد الملك : ما كنت حريا أن تفعل ولا تعتذر ، ثم أقبل على أهل الشام فقال : أيكم يروي اعتذار النابغة الى النعمان في قوله :
حلفت فلم اترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب

 فلم يجد فيهم من يرويه ، فأقبل علي وقال : أترويه ؟ قلت : نعم فانشدته القصيدة كلها ، فقال : هذا أشعر العرب (3)
 وأخبرني عمر ، عن معاوية بن بكر الباهلي قال : قلت لحماد الرواية : لم قدمت النابغة ؟ قال : لاكتفائك بالبيت الواحد من شعره ، لا بل بنصف البيت ، لا بل بربع البيت ، مثل قوله : 

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب
ولست بمستبق أخا لا تلمه * على شعث أي الرجال المهذب

 ربع البيت يغنيك عن غيره ، فلو تمثلت به لم يحتج الى غيره (4)
 أخبرني عمر بن شبة ، عن هارون بنعبد الله الزبيري قال : حدثني شيخ يكنى أبا داود ، عن الشعبي ، قال : دخلت على عبد الملك وعنده الأخطل وأنا لا 
____________
(1) ابن أبي الحديد 20 : 161 .
(2) ابن أبي الحديد 20 : 161 .
(3) ابن أبي الحديد 20 : 161 .
(4) ابن أبي الحديد 20 : 161 .

( 134 )

أعرفه ، وذلك أول يوم وفدت في من العراق على عبد الملك ، فقلت حين دخلت : عامر بن شراحيل الشعبي يا أمير المؤمنين ، فقال : على علم ما اذنا لك ، فقلت : هذه واحدة على وافد أهل العراق ، ـ يعني أنه أخطأ ـ قال : ثم أن عبد الملك سأل الأخطل : من أشعر الناس ؟ فقال : أنا ، فجعلت وقلت لعبد الملك ، من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فتبسم ، وقال : الأخطل ، فقلت في نفسي : اثنتان على وافد أهل العراق ، فقلت له : أشعر منك الذي يقول :

هذا غلام حسـن وجهــه * مستقبل الخير سريع التمـام
للحارث الأكبر والحارث الأ * صغـر فالأعرج خير الأنام
ثم لعمـرو ولعمــرو وقد * أسرع في الخيرات منه أمام

 قال : هي امامة ام عمرو الأصغر بن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان بن الشقيقة : 

خمســة آبــاء هم مـا هم * أفضل من يشرب صوب الغمام

 والشعر للنابغة ، فالتفت الي الأخطل فقال : ان أمير المؤمنين انما سألني عن أشعر أهل زمانه ، ولو سألني عن أشعر أهل الجاهلية كنت حريا أن أقول كما قلت : أو شبيها به ، فقلت في نفسي : ثلاث على وافد أهل العراق (1)
____________
(1) ابن أبي الحديد 20 : 162 .
( 135 )

الملحقات



( 136 )



( 137 )

 ذكر ابن أبي الحديد في المجلد 16 : 221 خطبة الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام باختصار نقلا عن كتاب ـ السقيفة وفدك ـ غير أن أبا الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي ، ذكر الخطبة برمتها من المرجع نفسه في كتابه ـ كشف الغمة ـ 1 : 480 واتماما للفائدة فقد نقلتها هنا مع ما تقدم بعض نصوص الخطبة .
 قال أبو الحسن الأربلي قبل ذكره الخطبة ما نصه : 
 وحيث انتهى بنا القول الى هنا فلنذكر خطبة فاطمة عليها السلام ، فأنها من محاسن الخطب وبدايعها ، عليها مسحة من نور النبوة ، وفيها عبقة من أرج الرسالة ، وقد أوردها المؤالف والمخالف ، ونقلتها من كتاب السقيفة عن عمر بن شبة ، تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها المذكور ، قرأت علهى في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ، روي عن رجاله من عدة طرق ، ان فاطمة عليها السلام لما بلغها اجماع أبي بكر على منعها ـ فدكا ـ لاثت خمارها وأقبلت في لميمة من حدفتها ونساء قومها ، تجر ادراعها تطأ في ذيولها ، ما تخرم من مشية رسول الله ( ص ) حتى دخلت على أبي بكر ، وقد حشد المهاجرين والأنصار ، فضرب بينهم بريطه بيضاد ـ وقيل قبطية ـ فأنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ، ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم . 
 ثم قالت عليها السلامس :
 ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد ، والطول والمجد ، الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر بما ألهم ، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها ، وسبوغ آلاء اسداها ، 


( 138 )

واحسان منن اولاها (1) جم (2) عن الاحصاء عددها ، ونأى (3) عن المجازاة مزيدها ، وتفاوت عن الادراك أبدها (4) واستتب الشكر بفضائلها (5) واسحذى الخلق بانزالها (6) واستحمد الى الخلائق باجزالها ، وأمر بالندب الى امثالها ، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الاخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها (7) وأبان في الفكر معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام الاحاطة به أبدع الأشياء لا من شيء كان قبله ، وانشأها بلا احتذاء مثله (8) وسماها بغير فائدة زادته الا اظهارا لقدرته ، وتعبدا لبريته واعزازا لأهل دعوته ، ثم جعل الثواب لأهل طاعته (9) ووضع العذاب على أهل معصيته ، زيادة لعباده عن نقمته وحياشة لهم الى جنته ، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن يجتباه ، واصطفاه قبل ان يبتعثه ، وسماه قبل أن يستجيبه إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهايل مضمونة (10) وبنهايا العدم مقرونة علما منه بمايل الأمور (11) واحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة منه بمواقع المقدور ، وابتعثه اتماما لعلمه (12) وعزيمته على امضاء حكمه ، وانفاذ المقادير حقه (13) فرأى ( صلى الله عليه وآله ) الامم فرقا في اديانها ، وعابدة لأوثانها ، عكفا على 
____________
(1) السبوغ : الكمال . والألاى : النعماء ، اسدى إليه : أحسن . أولاها : أي تابعها باعطاء نعمة بعد اخرى بلا فصل .
(2) جم : كثير .
(3) نأي : بعد ، وفي بعض النسخ : ونأى عن الجزاء أمدها .
(4) في نسخة : أمدها .
(5) استتب الأمر : اطرد واستقام واستمر .
(6) استخذى : خضع وذل . واستحمد : أي يطلب منه الحمد .
(7) جعل الأعمال كلها خالصة لله تعالى .
(8) في البحار : بلا احتذاء امثلة امتثلها ، واحتذى مثاله : أي اقتدى به .
(9) في نسخة : واعزازا لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته .
(10) في نسخة : مصونة .
(11) أي عواقبها ، وفي نسخة : مآل الأمور ، بصيغة المفرد .
(12) في عبادة : لأمره .
(13) في نسخة البحار : ختمه .

( 139 )

نيرآنها منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي ( ص ) ظلمها ، وفرج عن القلوب بهمها ، وجلا عن الأبصار عممها ، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار رغبة محمد ( ص ) عن تعب هذه الدار ، موضوعا عنه اعباء الأوزار ، محفوفا بالملائكة الأبرار ، ورضوان الرب الغفار ، وجوار الملك الجبار ، فصلى الله عليه ، أمينه على الوحي وخيرته من الخلق ، ورضيه عليه السلام ورحمة الله وبركاته .
 ثم قالت عليها السلام : 
 وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحملة كتاب الله ووحيه ، امناء الله على أنفسكم وبلغاءه الى الامم حولكم . لله فيكم عهد قدمه اليكم ، وبقية استخلفها عليكم كتاب الله بينة بصائرة ، وآي منكشفة سرائره . وبرهان فينا متجلية ظواهره ، مديما للبرية استماعه ، قائدا الى الرضوان أتباعه ، ومؤديا الى النجاة أشياعه فيه تبيان حجج الله المنيرة ، ومواعظه المكرورة ، ومحارمه المحذورة ، واحكامه الكافية ، وبيناته الجالية ، وجمله الكافية ، وشرائعه المكتوبة ، ورخصه الموهوبة ، ففرض الله الايمان تطهيرا لكم من الشرك ، والصلاة تنزيها لكم من الكبر ، والزكاة تزييدا لكم في الرزق ، والصيام تبيينا امامتنا ، والحج تسنية للدين والعدل تنسكا للقلوب وطاعنا نظاما للملة ، وامامتنا لما للفرقة ، والجهاد عن الاسلام ، والصبر مؤنة للاستجاب ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ، والبر بالوالدين وقاية من السخطة ، وصلة الأرحام منسأة للعمر ومنماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء . والوفاء بالنذور تعريضا للمغفرة ، وتوفية المكائيل والموازين تغييرا للبخسة ، واجتناب قذف المحصنات حجابا من اللعنة ، والاجتناب عن شرب الخمور تنزيها من الرجس ، ومجانبة السرقة ايجابا للعفة ، 
____________
(1) في نسخة : ومؤد الى النجاة استماعه .
(2) في نسخة : تثبيتا أي تشييد الاخلاص وابقائه .
(3) أي سببا لرفعة الدين وعلوه . وفي بعض الروايات ـ تشييدا ـ وفي اخرى ـ تسلية ـ .
(4) في نسخة : على الاستيجاب أي استيجاب الاجر كما في ساير الروايات إذ به يتم فعل الطاعات وترك السيئات .

( 140 )

والتنزه عن أكل أموال الأيتام والاستيثار بفيئهم اجارة من الظلم ، والعدل في الاحاكم ايناسا للرعية ، والتبري من الشرك اخلاصا للربوبية ، فاتقوا الله حق تقاته ، وأطيعوه فيما أمركم به فإسنما يخشى الله من عباده العلماء (1)
 ثم قالت عليها السلام : 
 أنا فاطمة بنت محمد (2) أقول عودا على بدء ، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا (3) فاسمعوا الي باسماع واعية وقلوب راعية ، ( ولقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (5) فان تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم وآخا ابن عمي دون رجالكم ، فبلغ الرسالة صادعا بالرسالة (6) ناكبا عن سنن مدرجة المشركين ، ضاربا لثجهم آخذا بأكظامهم ، داعيا الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة . يجز (7) الأصنام ، وينكت المهام (8) حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، وحتى تفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محصنه ، ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين ، وفهتم بكلمة الاخلاص مع النفر البيض الخماص (9) ( الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (10) وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها مقذقة الشارب ولهزة الطامع ، دقبة العجلان ، وموطأة 
____________
(1) سورة فاطر : 28 .
(2) في نسخة : أنا فاطمة وأبي محمد .
(3) السرف : الجهل ـ الشطط : البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شيء .
(4) سورة التوبة : 28 .
(5) في عبارة : دون آبائكم .
(6) في رواية : النذارة .
(7) جذذت الشئ : كسرته وقطعته .
(8) الهام : رأس كل شيء ، وفي نسخة : ويغلق الهام .
(9) الخماص : بالكسر ، تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوه من الطعام .
(10) سورة الاحزاب : 32 واجمعت كلمة أئمة التفسير والحديث ان الآية نزلت في علي امير المؤمنين وفاطمة الصديقة والحسن السبط والحسين الشهيد عليهم السلام وهم المراد من أهل بيت النبي ( ص ) كفاية الطالب : 54 . صحيح مسلم 4 : 1883 . عن عائشة . أسباب النزول : 239 . ذخائر العقبى : 21 . تفسير الطبري 22 : 8 . المستدرك 3 : 208 شواهد التنزيل 2 : 10 . فضائل الخمسة 1 : 224 .

( 141 )

الأقدام ، تشربون الطراق (1) وتقتاتون القد ، اذله خاشعين تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله بنبيه صلى الله عليه وآله (2) بعد اللتيا والتي ، وبعد ان مني بهم الرجال وذؤبان العرب (3) كلما حشوا نارا للحرب أطفأها الله ، ونجم قرن الضلالة ونفر فاغر من المشركين قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدودا دؤبا في ذات الله ، وأنتم في رفهينة ورفغينة وادعون آمنون تتوكفون الأخبار وتنكصون عن النزال ، فلما اختار الله لبنبيه صلى الله عليه وآله دار أنبيائه وأتم عليه ما وعده ، ظهرت حسيكة (4) النفاق ، وسمل جلباب الاسلام (5) فنطق كاظم ، ونبغ خامل ، وهدر فينق الكفر ، يخطر في عرصاتكم ، فأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم فوجدكم لدعائه مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين ، واستنهضكم فوجدكم خفافا ، واحمثكم فوجدكم غضابا ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل (6) فوسمتم غير أبلكم ، وأوردتموها شربا ليس لكم ، والرسول لما يقبر بدار ، ازعمتم خوف الفتنة ( ألا في الفتنة سقطوا ، وان جنهم لمحيطة بالكافرين (7).
 فهيهات منم وكيف بكم (8) وأنى تؤفكون وكتاب الله جل وعز بين أظهركم قائمة فرائضه واضحة دلائله ، نيرة شرايعه ، زواجره واضحة ، وأوامره لايحة ، أرغبة عنه تريدون ، أم بغيره تحكمون ( بئس للظالمين بدلا ، ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (9)
____________
(1) الطرق : ماء السماء الذي تبول فيه الأبل وتبعر .
(2) في نسخة : حتى أنقذكم برسوله .
(3) ذؤبان العرب : صعاليكها الذي يتلصصون .
(4) حسيكة وحساكة : العداوة والظعن .
(5) السمل : خلق .
(6) لم تمض على وفاة النبي الأعظم ( ص ) يوم أو يومان حتى حلت الرزية وكانت فاجعة السقيفة وجريمة ـ فدك ـ النكراء .
(7) سورة التوبة : 49 .
(8) وفي نسخة : واني بكم .
(9) سورة آل عمران : 85 .

( 142 )

 هذا ثم لم تبرحوا رثيا ـ وقال بعضهم : هذا ولم يرشوا أختها الأريث ـ أن تسكن نفرتها وميلس قيادها ، ثم أخذتم توردن وقدتها ، تتهيجون جمرتها ، تشربون حسوا في ارتغاء (1) وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء ، ونصبر منكم على مثل جزى المدى ـ ووخز السنان في الحشاء (2) ثم أنتم أولاء تزعمون أن لا أرث لي ، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتمون وراء ظهوركم ، يقول الله جل ثناؤه : ( وورث سليمان داود (3) اختص من خبر يحيى وزكريا إذ قال ( رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا (4) وقال تبارك وتعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين (5) فزعمتم أن لا حظ لي ولا ارث لي من أبيه (6). أفحكم الله بآية أخرج أبي منها ، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (7)
 أيها معاشر المسلمة أو ابتز اريثه ، أألله أن ترث أباك ولا أرث ابيه ، ( لقد جئتم شيئا فريا (8) فدونكها مرحولة محظومة مزمومة (9) تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون وما توعدون ، ( ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم )(10)
____________
(1) مثل يضرب لمن يفعل في الباطن شيئا ويظهره غيره .
(2) الوخز : الطعن لا يكون نافذا .
(3) سورة النحل : 16 .
(4) سورة مريم : 6 .
(5) سورة النساء : 11 .
(6) الهاء للسكت وكذا في ما يأتي في قولها : ارثيه .
(7) سورة المائدة : 50 .
(8) في نسخة : يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا ـ .
(9) الرحل للناقة كالسرج للفرس ، والخطام كل ما يوضع في أنفت البعير ليقاد به ، والضمير راجع الى ـ فدك ـ .
(10) سورة الزمر : 4 .

( 143 )

 ثم التفتت الى قبر أبيها ـ ص ـ متمثلة بقول هند ابنة أثاثة : 

قد كان بعدك أنبـاء وهنبئــة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدنـاك فقد الأرض وابلهـا * واختل قومك لما غبت وانقلبـوا
أبدت رجال لنا فحوى صدورهم * لما قضيت وحالت دونك الترب

 وزاد في بعض الروايات هنا : 

ضاقت عليّ بلادي بعدما رحبــت * وسيم سبطــاك خسفا فيه لي نصب
فليت قبلك كــان الموت صادفنـا * قوم تمنــوا فأعطـوا كلما طلبـوا
تجهمتنا رجــال واستخف بنــا * مذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب (1)

 قال : فما رأيت باكية وباك منه يؤمئذ ، ثم عدلت الى مسجد الأنصار فقالت : 
 يا معشر البقية ، ويا عماد الملة ، وحصنة الاسلام ، ما هذه الفترة في حقي والسنة عن ظلماتي ؟ أما كان لرسول الله ( ص ) أن يحفظني ولده ، سرعان ما أحدثتم عجلان ذا اهالة ، أتزعمون مات رسول الله ـ ص ـ فخطب جليل استوسع وهنه ، واستهتر فتقه ، وفقد راتقه ، وأظلمت الأرض له ، واتأبت لخيرة لله ، وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال (2) واضيع الحريم ، وارملت الحرمة ، فتلك نازلة اعلن بها في كتاب الله في قبلتكم ـ افنيتكم ـ ممساكم ومصبحكم هتافا هتافا ، ولقلبه ما حلت بأنبياء الله ورسله ، ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات أو قتل انقبلتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (3)
 أيها بني قبلة أهضم تراث أبيه ، وأنتم بمرءا وبمسمع ، تكبسكم الدعوة ، 
____________
(1) في بعض النسخ : مذ غبت عنا وكل الارث قد غصبوا .
(2) أكدت : بخلت .
(3) سورة آل عمران : 144 .
(4) بنو قيلة : الأوس والخزرج ، لأن اسم امهم قيلة بنت كاهل .

( 144 )

ويشملكم الخبرة (1) وفيكم العدة والعدد ، ولكم الدار والجنن ، وأنتم الأولى نخبة الله التي انتخبت ، وخيرته التى اختارت لنا أهل البيت ، فباديتم العرب وبادهتم الأمور ، وكافحتم إليهم ، لا نبرح وتبرحون ، نأمركم فتأتمرون حتى دارت لكم بنا رحى الاسلام ، ودر حلب البلاد ، وخبت نيران الحرب ، وسكنت فورة الشرك ، وهدت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدين ، فانى جرتم بعد البيان ، ونكصتم بعد الاقدام عن قوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم . وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون ( ألا تقاتلوا قوما نكثوا إيمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة اتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين (2)
 ألا وقد أرى والله قد أخلدتم الى الخفض ، وركنتم الى الدعة فمحجتم الذي أوعيتم ولفظتم الذي سوغتم ، ( فان تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد (3)
 ألا وقد قلت الذي قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم وخور القناة (4) وضعف اليقين ، ولكنه فيضه النفس ، ونفئة الغيظ ، وبثة الصدر ، ومعذرة الحجة ، فدونكموها فاحتبقوها مدبرة الظهر ، ناقبة الخف باقية العار ، موسومة بشنار الأبد ، موصولة ب‍ ( نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، انهاعليهم موصدة (5) فبعين الله ما تفعلون ، ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (6) وأنا بنت نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعلموا إنا عاملون وانظروا إنا منتظرون (7)
____________
(1) قال المجلسي : المراد بالدعوة : نداء المظلوم للنصرة ، والخبرة علمهم بمظلوميتها عليها السلامس .
(2) سورة التوبة : 13 .
(3) سورة ابراهيم : 8 .
(4) خامرتكم : أي خالطتكم . والخور : الضعف . قال المجلسي : لعل المراد بخور القنا ضعف النفس عن الشرة وكتمان الضر .
(5) سورة الهمزة : 6 .
(6) سورة الشعراء : 227 .
(7) كشف الغمة 1 : 481 وقال بعد نقله الخطبة : هذه الخطبة نقلتها من كتاب السقيفة وكانت النسخة مع قدمها مغلوطة فحققها من مواضع أخر .

( 145 )


( 145 )

 وروى (1) انه لما حضرت فاطمة صلى الله عليها الوفاة ، دعت عليا عليه السلام فقالت : أمنفذ أنت وصيتي وعهدي ، أو والله لاعهدن الى غيرك ، فقال عليه السلام : بلى أنفذها ، فقالت عليها السلام : إذا انا مت فادفني ليلا ولا تؤذنن بي أبا بكر وعمر ، قال : فلما اشتدت عليها اجتمع إليها نساء من المهاجرين والأنصار فقلن : كيف اصبحت يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت : أصبحت والله عائفة لدنياكم (2)
 وروى عن أبي عبد الله عليه السلام وقد سأله أبو نصير فقال : لم لم يأخذ أمير المؤمنين فدكا لما ولي الناس ، ولأي علة تركها ؟ فقال : لأن الظالم والمظلومة قدما على الله وجازى كلا على قدر استحقاقه ، فكره ان يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه الغاصب وأثاب المغصوبة (3).
 وقد روى انه كان لأمير المؤمنين عليه السلام في ترك فدك اسوة برسول الله صلى الله عليه وآله فإنه لما خرج من مكة باع عقيل داره فلما فتح مكة قيل له : يا رسول الله ألا ترجع الى دارك ؟ فقال عليه السلام : وهل ترك لنا عقيل دارا وأبى أن يرجع إليها ، وقال : إنا أهل بيت لا نسترجع ما أخذ منا في الله عز وجل (4)
 وروى مرفوعا ، أن عمر بن عبد العزيز لما استخلف قال : أيها الناس اني قد رددت عليكم مظالمكم وأول ما أردنها ما كان في يدي من فدك على ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وولد علي بن أبي طالب ، فكان أول من ردها .
 وروى انه ردها بغلاتها منذ ولي ، فقيل له : نقمت على أبي بكر ، وعمر فعلهما ، فطعنت عليهما ونسبتهما الى الظلم والغصب ، وقد اجتمع عنده في ذلك 
____________
(1) صاحب السقيفة ، حسبما نقل عن الأربلي ولم يذكره ابن أبي الحدى في نقله عن السقيفة ـ.
(2) كشف الغمة 1 : 494 .
(3) المصدر السابق .
(4) كشف الغمة 1 : 494 .

( 146 )

قريش ومشايخ أهل الشام من علماء السوء فقال عمر بن عبد العزيز : قد صح عندي وعندكم ان فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ادعت فدك وكانت في يدها ، وما كانت لتكذب على رسول الله ( ص ) مع شهادة علي ، وام اليمن ، وأم سلمة وفاطمة عندي صادقة فيما تدعي ، وان لم تقم البينة ، وهي سيدة نساء أهل الجنة ، فأنا اليوم أردها على ورثتها أتقرب بذلك الى رسول الله ، وأرجوا أن تكون فاطمة ، والحسن ، والحسين ، يشفعون لي في يوم القيامة ، ولو كنت بدل أبي بكر ، وادعت فاطمة كنت أصدقها على دعواتها ، فسلمها الى محمد بن علي الباقر عليهم السلام ، وعبد الله بن الحسن ، فلم تزل في أيديهم الى أن مات عمر بن عبد العزيز (1).
 وروى انه لما صارت الخلافة الى عمر بن عبد العزيز ، رد عليهم سهام الخمس ، سهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسهم ذي القربى ، وهما من أربعة أسهم رد على جميع بني هاشم ، وسلم ذلك الى محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، وعبد الله بن الحسن (2)
____________
(1) كشف الغمة 1 : 495 .
(2) المصدر السابق .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق