بنور
فاطمة صلوات الله عليها اهتديت
عبد
المنعم حسن
الاهداء
إلى بضعة المصطفى وقرة عينه...
إلى التي ترعرعت في بيت الوحي وتربت
في حضن أعظم الأنبياء...
إلى الصديقة الطاهرة المطهرة المعصومة..
وصاحبة المواقف الفاصلة..
إلى المظلومة المقهورة المهضوم حقها..
إلى الشمعة التي أخذتني إلى حيث
الهداية..
وفتحت لي آفاق نور الولاية..
سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء (ع)..
وإلى حفيدها الأمل المرتجى وكاشف
الدجى.
العدل المنتظر المهدي الحجة بن الحسن
عجل الله فرجه الشريف الإمام الثاني عشر والخاتم الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا..
راجيا القبول
تحدثت عن زكريا (ع) وغيره من الأنبياء كما ذكرت الزهراء في الخطبة ولعل هنالك من يدعي أن ميراث الأنبياء كان العلم دون المال ولكن ذلك خلاف الظاهر من الآيات إذ أن لفظ الميراث في اللغة والشريعة لا يطلق إلا على ما ينتقل من الموروث إلى الوارث كالأموال ولا يستعمل في غير المال إلا على طريق المجاز والتوسع، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة وقرينة... وبالجملة لا بد من حمل الإرث في الآيات القرآنية التي تتحدث عن ميراث الأنبياء على إرث المال دون العلم وشبهها حملا للفظ يرثني على معناه الحقيقي المتبادر إلى الذهن إذ لا قرينة على كون المراد في الآيات توريث العلم ومن يدعي ذلك عليه الإثبات وعلى فرض أن الأنبياء ورثوا العلم لأبنائهم وذويهم فهلا سمعوا العلم عمن ورثه عن النبي (صلى الله عليه وآله سلم) وأخذوا بكلام هؤلاء الورثة ورثة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين هم أعلم بأحكام الدين من غيرهم واتبعوهم أمنا من الضلال " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي ".
ومما يثير التساؤل ميراث زوجات النبي في بيوته التي اختص بها نساءه، عائشة كيف تسنى لها البقاء في بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أنه وعلى حسب مدعاهم لا يورث ولم يثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ملكها هذا البيت في حياته كما أن أباها الخليفة الأول لم يطالبها ببينة وانتقلت إليها ملكية البيت بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصبحت هي المتصرفة فيه حتى أن أبا بكر وعمر طلبا منها الإذن حتى يدفنا بجوار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أنها منعت من دفن من هو أكثر نصيبا منها على فرض أنه من الميراث لأنها ترث التسع من الثمن باعتبارها إحدى تسع أزواج مات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهن في عصمته، وللزوجة كما هو معلوم ثمن الميراث إن كان له ولد بينما يرث الحسن (ع) عن طريق أمه فاطمة (ع) أكثر منها ومع ذلك ينقل لنا اليعقوبي في حادثة وفاة الحسن بن علي (ع) " ثم أخرج نعشه يعني الحسن يراد به قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم)، فركب مروان بن الحكم، وسعيد بن العاص فمنعا من ذلك حتى كادت تقع الفتنة وقيل أن عائشة ركبت بغلة شهباء، وقالت: " بيتي لا آذن فيه لأحد " (1).
والقرآن الحكيم يثبت أن هذه البيوت التي أودع فيها زوجاته هي له دون الزوجات في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) (سورة الأحزاب: آية / 53) فنسبة البيوت إلى النبي واضحة فهو الأصل وزوجاته عرض على هذه البيوت ولا يعترض قائل بأن الله تعالى يقول أيضا (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) لأن كلمة (بيوتكن) هنا تشمل البيت الذي كان في زمن حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي تنتقل إليه الزوجة عادة بعد وفاة زوجها... فالزوجة إما ترجع إلى بيت أهلها أو تبقى في بيت زوجها والأخير لا يتم إلا عن أحد طريقين إما أنها تملكته في حياة زوجها أو أنها ورثته عنه والثاني غير ممكن بالنسبة لزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند من يؤمن بحديث لا نورث أما الأول فلم يثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نحل البيوت لأزواجه، في حين أن فدكا نحلت لفاطمة الزهراء كما جاء في تفسير آية (وآت ذا القربى حقه) قالوا لما نزلت هذه الآية دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وأعطاها فدك (2).
إذا كلمة (بيوتكن) لا دلالة فيها على ملكية زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبيوته بل الآية الأولى واضحة في نسبة البيوت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي المقيدة للآية الثانية في حال حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
لقد طالبوا الصديقة الطاهرة بالبينة ولم يطالبوا غيرها بذلك... ما السبب؟! ذلك ما ستكشف عنه الأحداث كما سنفصل.
____________
(1) - تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 225.
(2) - بتفسير الآية من سورة الإسراء في شواهد التنزيل 1 / 338 - 341 بسبعة طرق، والدر المنثور 4 / 177 وميزان الاعتدال 2 / 225 ط أولى وكنز العمال 2 / 158 ط أولى ومنقحة، والكشاف 2 / 446، وتاريخ ابن كثير 3 / 36.
فدك الرمز
تعرفنا على الزهراء من خلال القرآن فكانت المثال الأعلى للإيمان والتقوى والورع والزهد والعصمة.. تجلت لنا أسمى معاني الايثار في الزهراء ومع أهل البيت (ع).. يجودون بطعامهم للمسكين واليتيم والأسير لقد مدحها الله مع أبيها وبعلها وبنيها فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ووصفهم بأنهم الموفون بالنذر الخائفون من يوم كان شره مستطيرا وهو تعالى القائل عن لسانهم (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا) ثم جعل سبحانه وتعالى مودتهم أجرا للرسالة والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحدث عن ابنته فتفيض كلماته لتعطي الزهراء (ع) هالة من القدسية يتوقف عندها كل القديسين والأولياء إجلالا لعظمتها، فاطمة (ع) هذه الشامخة المدركة تماما أنها ما خلفت إلا للآخرة.. إنها كانت من الصنف الذي لا يقيم لحطام الدنيا وزنا وهي التي أهدت حتى ثياب عرسها لسائلة مسكينة ليلة زفافها كما جاء في التاريخ (1)... وهي من علمت أخي القارئ من خلال استعراض آيات الذكر الحكيم التي نزلت فيها إضافة إلى كلام أبيها وسيرتها العطرة... فاطمة الزهراء (ع) التي عرفتها هي أكبر من أن تطالب بقطعة أرض.
يا ترى لماذا كان إصرارها على المطالبة بحقوقها المادية المتمثلة في فدك وغيرها من الخمس والميراث؟! إنها لم تكن حريصة على امتلاك شئ مآله إلى الزوال في هذه الدنيا ومن المستحيل أن ندعي على الزهراء بأنها قلبت الدنيا على الخليفة الأول من أجل شئ يرتبط بالدنيا.. لا سيما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به.
لا بد من أن يكون هنالك شئ عظيم استهدفته الزهراء من مطالبتها بفدك، من مجمل الأحداث التي اطلعت عليها أثناء بحثي توصلت إلى مغزى مطالبة فاطمة بفدك
____________
(1) - روى ذلك الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي في نزهة المجالس ج 2 ص 226 ط القاهرة.
بعيد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة حدث الاختلاف حول الخلافة، البعض ينادي بخلافة علي (ع) وأهل البيت وآخرون يرون شرعية ما جرى في السقيفة من تولية لأبي بكر.. إن الأحداث بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذت بعدا آخر ولم تكن فدك فيها إلا حلقة من حلقات الصراع بين أصحاب السقيفة وأهل البيت (ع) المعارضين لها بقيادة علي وفاطمة (ع).. وكان بيت فاطمة هو ملتقى تلك المعارضة يقول ابن قتيبة في تاريخه " إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته في دار علي " وفاطمة " فأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب، يريد منهم أن يبايعوا بالإكراه والقوة، وقال: والذي نفس عمر بيده. لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له يا أبا حفص إن فيها فاطمة فقال: وإن.. فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضرا منكم تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقنا " (1).
لقد أطلقت فاطمة (ع) صوت المعارضة وحملت مشعل الحقيقة لتبين للجماهير التي اشتبه عليها الأمر وطالبت بفدك وأثبتت بذلك للتاريخ كله أن خلافة تقوم في أول خطوة لها بالاعتداء على أملاك رسول الله صلى ليست امتدادا له بقدر ما هي انقلاب عليه كما هو الشأن في كل الانقلابات التي تتم في العالم حيث تتم مصادرة أملاك السابقين وأي شخص يتجرد من العصبية المذهبية ويفهم أوليات السياسة يدرك مغزى مصادرة (فدك) وإخراج عمال فاطمة منها وبالقوة أو كما يعبر صاحب الصواعق المحرقة " انتزاع فدك من فاطمة ". ولم تكن " فدك " قطعة الأرض، هي مقصد فاطمة (ع) بل الخلافة الإسلامية التي كانت حقا لزوجها علي بن أبي طالب كما سنبين ويمكن
____________
(1) - تاريخ الخلفاء ج 1 ص 12.
1 - إن فاطمة كغيرها من البشر تطالب بحقها سواء كان ذلك نحلة أو هبة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ميراثا أو حقوقا شرعية كالخمس، ومن هذا الحق الطبيعي انطلقت الزهراء لتعري القوم وتكشف عن حقيقتهم، والحكمة كانت تقتضي أن تكون المبادرة من الزهراء (ع) بعد أن استولى الحاكم الجديد على جميع امتيازات الهاشميين.. وكانت مطالبة علي بن أبي طالب وبقية الهاشميين بحقوقهم صعبة في ظل تلك الظروف التي رفض فيها هؤلاء مبايعة الخليفة وإمضاء ما جرى في السقيفة وأي محاولة منهم للتحرك كانت تعني إعطاء الطرف الآخر المبرر للتصفية التي كانت تلوح في الأفق من خلال كلمات جماعة السقيفة وهم يتشاورون ويبحثون عن طريقة يجبرون بها الهاشميين وعلى رأسهم علي (ع) على البيعة.
2 - لقد رأت الزهراء في المطالبة بفدك فرصة طيبة للإدلاء برأيها حول الخلافة وكانت لا بد من أن تدلي بتصريحاتها أمام الجماهير فاختارت المسجد المكان المناسب حيث معقل الخلافة هنالك وحيث كان أبوها يلقي الحديث تلو الحديث عن فضلها ومكانتها عند الله وصدقها وزهدها وقدسيتها، ولذلك عرفت نفسها في الخطبة قائلة " واعلموا أني فاطمة وأبي محمد " وانطلقت في مهمتها الرسالية لتظهر حال ومآل الخلافة، وتكشف الحقائق ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
3 - كانت الخلافة المغتصبة هي محط أنظار البتول الطاهرة (ع) فجاءت مطالبتها الحثيثة بفدك وغيرها من الحقوق وبعدها يفسح لها المجال لتطالب بالأمر الذي اختص به زوجها وهو ولاية أمر المسلمين.. وأصبحت فدك ترتبط بالخلافة بلا فاصل كما تحول محتواها وكبر معناها فلم ينحصر في قطعة الأرض المحدودة بل صار معناها الخلافة والبلاد الإسلامية كاملة..
وذلك ما وضحه حفيدها الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) حينما ألح عليه
الرشيد العباسي في أخذ فدك، قال له الإمام: ما آخذها إلا بحدودها، قال الرشيد: وما حدودها، قال (ع): الحد الأول عدن والحد الثاني سمرقند والحد الثالث إفريقية والحد الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية فقال له الرشيد، فلم يبق لنا شئ فتحول من مجلسي - أي إنك طالبت بالرقعة الإسلامية في العصر العباسي بكاملها - فقال الإمام:
قد أعلمتك أني إن حددتها لم تردها. فدك إذا هي التعبير الثاني عن الخلافة الإسلامية والزهراء (ع) جعلت فدك مقدمة للوصول إلى الخلافة.
ذكر ابن الحديد في شرحه قال: سألت علي بن الفارقي مدرس مدرسة الغربية ببغداد فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها، لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار والمدافعة بشئ، لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود " (1) ومما يؤكد دعوانا في أن الخلافة كانت في الهدف الأساسي ما جاء في الإمامة والسياسة من قول ابن قتيبة.. " وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله لقد مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر، ما عدلنا به فقال علي كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم " (2).
____________
(1) - شرح النهج ج 16 ص 284.
(2) - الإمامة والسياسة ج 1 ص 12.
تجمع الهاشميون في بيت فاطمة (ع) وأعلنوا معارضتهم لما جرى في السقيفة ومعهم بعض الأنصار الذين كانوا يهتفون: لا نبايع إلا عليا كما ينقل ابن الأثير ثم يقول " وتخلف علي وبنو هاشم والزبير وطلحة عن البيعة، وقال الزبير: لا أغمد سيفا حتى يبايع علي فقال عمر: خذوا سيفه واضربوا به الحجر " (2).
وجاء في تاريخ اليعقوبي " أن البراء بن عازب جاء فضرب الباب على بني هاشم وقال: يا معشر بني هاشم بويع أبو بكر فقال بعضهم: ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه ونحن أولى بمحمد. فقال العباس: فعلوها ورب الكعبة (3).
وينقل أيضا أنه قد " تخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس والفضل بن العباس والزبير والمقداد وسلمان وعمار " " وبلغ أبا بكر وعمر أن هذه الجماعة قد اجتمعت مع علي في منزل الزهراء فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار " (4).
إذا لقد تابعت الزهراء أحداث المعارضة بكل تفاصيلها لأنها انطلقت من بيتها، وكما هو معلوم تختلف أدوار المعارضة من شخص إلى آخر، واتكأت فاطمة (ع) على شخصيتها الطاهرة المقدسة التي عرفهم بها القرآن والرسول فأعلنت المعارضة كما هو
____________
(1) - الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 2 ص 325.
(2) - المصدر ج 2 ص 327.
(3) - تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 124.
(4) - تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 125 - 126.
لقد كانت الفترة ما بين وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حين وفاة ابنته فاطمة الزهراء (ع) منحنى خطيرا في تاريخ الأمة الإسلامية ترك بصماته واضحة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وكان لفاطمة (ع) الدور الرئيسي في هذه الفترة وفي مقابل ذلك لم يسكت أصحاب السقيفة مكتوفي الأيدي وهم يرون الزهراء (ع) تفعل ما تفعل فكان لا بد لهم من محاولة إسكات هذه الصرخة فجرت الأحداث ساخنة كما تذكرها كتب التاريخ والسير.
الخلفاء واقتحام الدار
بلغ الصراع أعلى قمة له بين أصحاب السقيفة والهاشميين ومن نادى بخلافة علي (ع) حينما تحصنوا بدار فاطمة (ع) وأعلنوا رفض الخلافة وكان لا بد للسلطة آنذاك أن تتخذ خطوات عملية أكثر تطورا حتى لا تتفاقم الأمور وتسير على غير ما يشتهون خصوصا وأن الطرف المقابل المعارض وعلى رأسه علي وفاطمة (ع) له من القدسية ما يلهب في الآخرين الحماس والتحرك لمواجهة الحكومة.
وفي مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث مقر الحكم بدأت المشاورات والتخطيط لإجبار المعارضين على البيعة وكما هو معلوم فإن بيت فاطمة يفتح مباشرة على المسجد ولا باب لهم إلا هذا كما سيأتي في حديث سد الأبواب إلا باب علي (ع).
لقد كانت فكرة أصحاب السقيفة تتلخص في ضرورة إجبار هؤلاء على البيعة حتى لو اضطرهم ذلك لقتالهم وقتلهم.
لقد كان الاصرار قويا من عمر وهو يلفت نظر أبي بكر إلى تخلف علي (ع) عن البيعة حتى أنهم هددوه بالقتل يقول ابن قتيبة " فقالوا له: بايع، فقال: إن لم أفعل فمه قالوا: إذا والله الذي لا إله هو نضرب عنقك! " (2).
لقد استفحل الأمر بين الجبهتين حتى أنه وكما ينقل لنا اليعقوبي لو وافى عليا أربعون من المخلصين لكان لأمر الخلافة حديث آخر ولكن لم يجد علي من يعينه، يقول اليعقوبي " وكان خالد بن سعيد غائبا فقدم فأتى عليا فقال هلم أبايعك، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له، فقال لهم: أغدوا علي غدا محلقين الرؤوس فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر " (3). ولم تبق وسيلة أمام السلطة إلا اقتحام الدار وإجبار من فيها حتى ولو كانت هذا الدار هي تلك الدار المقدسة التي يقطنها أهل البيت (ع) ولم يشفع أهل الدار دون أن تحرق وتنتهك حرمتها، وهذا ما جرى عندما تفقد أبو بكر قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه " فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده: لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له يا أبا حفص: إن فيها فاطمة؟ قال: وإن " (4).
____________
(1) - تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 13.
(2) - نفس المصدر ص 13.
(3) - تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 126.
(4) - الإمامة والسياسة ج 1 ص 12.
أحرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
من كان غير أبي حفص يفوه بها * أمام فارس عدنان وحاميها
لقد استقبلتهم الزهراء (ع) من وراء الباب صارخة إلى أين يا بن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم (1).
لم يكن أمام القوم إلا الخلافة، فاقتحموا تلك الدار وأدخلوا فيها الرجال.
يقول اليعقوبي " وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار " (2).
لا أدري كيف طاوعتهم أنفسهم لهتك ستر هذه الدار التي كان الرسول يقبض حلقتها عند كل صلاة صائحا " الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (3). من أين أتتهم الجرأة لكشف ذلك البيت الذي كان يخرج رسول الله في أسفاره منه ثم يكون أول محطة له عند عودته. هذا البيت الذي كان يقدسه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويأمر الناس بتقديسه..
ولكنها الخلافة.. الرئاسة... الملك.
لقد أغلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل الأبواب التي كانت تفتح على مسجده إلا باب هذا البيت.. فكيف يكون هو نفسه هدف الهجوم من
____________
(1) - تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 164.
(2) - تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 126.
(3) - المستدرك للحاكم ج 3 ص 158، مسند أحمد بن حنبل تفسير الطبري، شواهد التنزيل وغيرها من المصادر.
في اليعقوبي: "... وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال ولو كان أغلق على حرب " (2).
في هذين النصين يبرز واضحا اعتراف الخليفة الأول بأن دار فاطمة قد اقتحمت بأمره ولعل كلمتي " أكشف " " وأفتش " دلالتهما بينة خصوصا وأن الدار المقصودة معقل المعارضة، وملتقى الهاشميين فالكشف والتفتيش أقرب المعاني المعبرة عن مراد السلطة آنذاك والكشف معناه كما في لسان العرب لابن منظور رفعك الشئ عما يواريه ويغطيه وبالتأكيد على حسب كلام أبي بكر لم يكن ذلك برضاهم وإلا لتغير التعبير لأن رفع الشئ عما يواريه وإظهاره يكون من جانب الكاشف، والمكشوف هنا بيت العصمة والطهارة بيت فاطمة التي قالت لأبي بكر وعمر عندما التقيا بها " أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعرفانه وتعملان به؟ قالا نعم فقالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني، قالا نعم، سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت فإني أشهد الله
____________
(1) - تاريخ الطبري ج 2 ص 619.
(2) - تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 115.
شئ عظيم هذا الذي فعلوه مع الزهراء حتى أصبحت تدعو على الخليفة الأول في كل صلاة لقد تفننوا في إرعاب قلب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عندما جاء عمر والرجال لإحراق الدار وجمعوا الحطب كانت أول من تلقتهم خلف الباب وصرخت ونادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة " (2).
ومع ذلك اقتحموا الدار وخلف الباب فاطمة، وذلك ما أقر به أبو بكر في قوله " وليتني لم أفتش بيت فاطمة وأدخله الرجال " ولا ينفع الندم لأن فاطمة (ع) حينما قال أبو بكر هذا كانت قد وصلت إلى أبيها وشكت إليه لأنها ماتت وهي واجدة عليه كما مر.
لقد ظلل على الأجواء التوتر ورائحة الدم تملأ المدينة وشبح التصفية يطارد أهل البيت (ع) وفاطمة رمز المعارضة لا يبعد أن يصيبها وابل من غضب أصحاب السقيفة، وهذا ما جرى للأسف الشديد فهم اقتحموا الدار وفيه فاطمة، وأحرقوا الباب وخلفه فاطمة. وأنا أتابع هذه الأحداث أثناء بحثي لم يهمني إلا فاطمة.. ولضبابية الرؤية التي كانت في كتب القوم صرت أبحث بتلهف هنا وهناك وأتصيد المعلومات لأن الذين كتبوا التاريخ لا بد لهم من أن يحفظوا ماء وجه المقدسين لديهم فلا يبرزوا إلا بعض الحقائق عنهم.
وكان يهمني مصير فاطمة، لأنها عندي كانت تعني مصير الرسالة، ووجدت الطامة الكبرى، واكتملت لدي الصورة عندما رجعت إلى أحفادها " أهل البيت (ع) "
____________
(1) - الإمامة والسياسية ج 1 ص 13 - 14.
(2) - المصدر السابق.
هذا الجنين لم ير النور قط، وإليك الأحاديث التي جمعناها في هذا الصدد:
وقال ابن إسحاق، فولدت فاطمة لعلي حسنا وحسينا ومحسنا مات صغيرا " (2).
____________
(1) - الكامل لابن الأثير ج 3 ص 397، وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج 5 ص 153.
(2) - دلائل النبوة للبيهقي ج 3 ص 161.
(3) - جمهرة أنساب العرب ص 16 - 37.
وذكر مثل ذلك كثير من الأعلام أمثال المحب الطبري في ذخائر العقبى وابن الأثير في أسد الغابة ج 4 ص 308 والعسقلاني في الإصابة ج 4 ص 471 واليعقوبي في تاريخه.
وهناك روايات تتحدث عن إسقاط المحسن قال المسعودي " وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسنا " (2).
إنه ولد ثالث للزهراء اسمه محسن، كما يذكر صاحب " ذخائر العقبى في مودة القربى " ويقول عنه أنه مات صغيرا ".. واسم محسن جديد على مسامعي لم أسمع به وما ورد في الحسن والحسين غير قليل فلماذا لم يرد شئ تفصيلي عن الابن الثالث لفاطمة الزهراء (ع)؟!
بعد التنقيب والبحث اكتشفت لماذا يذكر المحسن كثيرا.. إذ أن ذكره يستتبع أمورا تهد الجبال هدا.. وإليك شذرات مما وجدته وبعدها نحاول ربط الأحداث ببعضها لتتعرف على سر المحسن بن علي ثم نعرج على أهل البيت (ع) لنرسم الصورة كاملة:
جاء في كتاب الملل والنحل للشهرستاني: قال إبراهيم بن سيار بن هاني النظام إن عمر ضرب بطن فاطمة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها (3).
وقال ابن حجر العسقلاني في ترجمة أحمد بن محمد بن السري بن يحيى أبي دارم المحدث أبو بكر الكوفي، قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته:
كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب حضرته ورجل يقرأ عليه " أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن (4).
إذا لقد أسقطت فاطمة عليها السلام الابن الثالث محسن وذلك يعني أنه قتل ولم يمت..
____________
(1) - تاج العروس ج 3 ص 389، ولسان العرب ج 4 ص 393.
(2) - إثبات الوصية ص 143.
(3) - الملل والنحل ج 1 ص 57 إبراهيم بن سيار أحد أقطاب المعتزلة.
(4) - لسان الميزان ج 1 ص 268.
وأورده أيضا صلاح الصفدي في (الوافي بالوفيات) ج 6 ص 7 وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان وينقل عن محمد بن أحمد بن حماد الكوفي بعد أن أرخ موته (كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب الخ كما نقلنا.
في الواقع إن الأحداث الساخنة التي كانت آنذاك كان لا بد من أن يتخللها مثل هذه المصائب الفظيعة التي لم يذكرها المؤرخون السنة صراحة والسبب معلوم كما ذكرنا ولكن شعاع الحق يرفض إلا أن يتسلل من بين ثنايا ذكر ما جرى أو بالأحرى ذكر ما يحبون ذكره مما جرى.
لقد ذكروا كما رأينا أن عمر كان يصر على أبي بكر أن يأخذ المتخلفين عن البيعة بالقوة ثم إنه هو الذي أخذ الرجال إلى باب دار فاطمة ومعه الحطب لحرق الدار إن هم رفضوا الخروج وعند وصولهم إلى باب الدار كان أول ما تلقتهم فاطمة (ع) خلف الباب كما ذكرت آنفا وللتأكيد أورد لك هذين النصين وعليك عزيزي القارئ أن تنتقل بروحك وعقلك إلى تلك الفترة التاريخية لتتصور ما يمكن أن يجري، قال أحمد بن يحيى البلاذري: إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت: يا ابن الخطاب أتراك محرقا علي بابي؟ قال:
نعم " (1).
وعن نفس الحادثة ينقل ابن عبد ربه الأندلسي:
بعث إليهم - يعني المتخلفين عن البيعة - أبو بكر عمر ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب: أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم (2).
لقد تصدت فاطمة (ع) لعمر من خلف الباب لعل قلوب الرجال تخشع عندما تسمع صوت امرأة قال عنها الرسول أنها سيدة نساء العالمين وربما لتكون عليهم الحجة أبلغ لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): " من آذى فاطمة فقد آذاني " ولذلك صرخت كما ينقل ابن قتيبة: يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك.
____________
(1) - أنساب الأشراف ج 1 ص 586.
(2) - العقد الفريد ج 5 ص 13.
لقد اقتحموا وإن شئت فقل هجموا على دار البتول الزهراء (ع) وكانت أول من تلقاهم خلف الباب، والهجوم والاقتحام عادة يكون بلا استئذان ولا رحمة ومما لا شك أن كل شئ يعترض تلك الهجمة الشرسة لا بد أن يتحطم ويبعد عن الطريق..
ولكن بكل أسى ولوعة كان ذلك الشئ بضعة الرسول ووصيته فاطمة (ع) فضربت حتى أسقط جنينها، هذه هي الحقيقة التي حاول القوم إخفاءها فتسللت من بين مجريات الأحداث وظهرت على صفحة التاريخ نقطة سوداء في جبين الأمة.. كان هذا القدر كاف لكي أجمع باقي خيوط القضية كاملة منذ وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حين موت الزهراء (ع)، أو استشهادها.. نعم لقد انتقلت إلى جوار ربها مظلومة مقهورة بسبب ما جرى لها من ضرب ورفس أدى إلى إسقاط جنينها المحسن ومن ثم مرضت إلى أن لحقت بأبيها تشكو له ما جرى عليها.
بعد ذلك توجهت إلى أحفادها لكي استمع منهم تفاصيل ما جرى وهم أدرى بما جرى لجدتهم الزهراء (ع) وهناك تجلت لي الحقائق.. ولكن كانت تكمن عقدتي في أن ذلك يجعلني ألجأ إلى الروايات عن أهل البيت (ع) عن طريق الشيعة.
فسألت نفسي.. ولماذا لا آخذ بقولهم لقد عرفت من كتب السنة أن فاطمة غضبت على الخليفتين حتى ماتت ولم تأذن لأبي بكر أن يصلي عليها ثم إنها طالبت بالخلافة لعلي (ع)، وكان بيتها مركز المعارضة.. كما علمت أن بيتها كان مستهدفا من السلطة التي قررت إجبار من في البيت على البيعة وإن أبوا فالقتل والإحراق ونفذوا ما خططوه وهجموا على الدار وكان خلف الباب الزهراء تذكرهم برسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصاياه ومع ذلك اقتحموا الدار وفاطمة تصرخ ورأيت بين طيات نفس الكتب أن هنالك من يقول بأن فاطمة ضربت وأسقط جنينها كما مر ومهما يكن صنف القول فتسلسل الأحداث يرجح وقوع ما جرى. لكل ذلك لم أجد أن عقلي يمانع في الأخذ بقول الأئمة من أهل البيت (ع) حول ما جرى من أحداث أدت إلى وفاة فاطمة (ع) فكتب السنة ليست أولى بالأخذ منها بكتب الشيعة لأن هذا أول الكلام الذي يحتاج إلى دليل لسنا في صدده الآن.
وسأنقل لك عزيزي القارئ تمام الأحداث كما تراءت لي عند أهل البيت (ع)، لقد تحدث أحفاد الزهراء وبينوا مفصلا ما جرى بعد أحداث السقيفة.. رواياتهم تقطر ألما وحسرة على هذه الأمة التي لم تحفظ رسول الله في أهله.. أغضبت الزهراء وأسقطت ابنها المحسن وقتلت زوجها غدرا وابنها الأكبر المجتبى الحسن سما وابنها الحسين ذبحا.
يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق حفيد الزهراء سليل النبوة " ولا يوم كيوم محنتنا بكربلاء، وإن كان يوم السقيفة وإحراق النار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة، وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر ".
إنني لن أستعرض كل ما ذكره أئمة أهل البيت (ع) حول الأحداث التي جرت بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن ذلك يحتاج منا إلى مجلدات، لقد أكثر أهل البيت في بيان ذلك حتى تتعرف الأمة على أصل المأساة التي سببت الفرقة والشتات.. وسآخذ بعضا من هذه الروايات لتكتمل الصورة أمام القارئ العزيز.
لقد جرت أحداث السقيفة وتنصيب الخليفة أبي بكر وأهل البيت مشغولون بمصابهم في وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالذات الإمام علي (ع) الذي أوصاه الرسول ألا يلي غسله غيره.
انتهى أمر الخلافة التي لم يشارك في مشاوراتها علي بن أبي طالب فكان موقفه
الذي علمته وسيأتيك مزيد من التفصيل عنه، فلقد رفض البيعة وبدأ يذكر الناس بالعهود والمواثيق، يقول سلمان الفارسي " فلما أن كان الليل حمل علي (ع) فاطمة على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام، فعل ذلك مرتين وعندما رأى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يجمعه " (1). ورفض أن يبايع.
أرسلوا إليه ليبايع وبدأت من هنا المواجهة الساخنة بعد أن أمر عمر بجمع الحطب أمام بيت فاطمة مهددا بالإحراق إن لم يبايع علي، جاؤوا ليجبروا أهل البيت على البيعة، وقفت فاطمة خلف الباب لعل القوم يراعوا حرمتها وحريمها فلم ينفع فيهم ذلك قال الإمام الكاظم (ع) وهو موسى بن جعفر الصادق - وهو يصف ما جرى - لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة دعا الأنصار وقال يا معشر الأنصار لقد حان الفراق إلى أن قال: ألا إن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي فمن هتكه فقد هتك حجاب الله ". قال الراوي فبكى الإمام الكاظم " أبو الحسن (ع) طويلا وقطع بقية كلامه وقال: هتك - والله - حجاب الله هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله " (2).
كما جاء عن الإمام الباقر (ع) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو يتحدث عن الزهراء: وحملت بالحسن فلما رزقته حملت بعد أربعين يوما بالحسين ثم رزقت زينب وأم كلثوم وحملت بمحسن فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله
____________
(1) - كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 31.
(2) - بحار الأنوار: ج 22 ص 476 - 477.