الجمعة، 21 سبتمبر 2012

السَّقِيفَةُ وَفَدَكْ 8


السَّقِيفَةُ وَفَدَكْ
لأبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي
المتوفى ـ 323 هـ


اصدار
مكتبة نينوى الحديثة
طهران ناصر خسرو ـ مروي
تقديم وجمع وتحقيق
الدكتور محمد هادي الأميني

( 1 )

السَقّيفة وفَدكُ

لأبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي
المتوفى ـ 323هـ

رواية
عز الدين عبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلي المتوفى 656


تقديم وجمع وتحقيق
الدكتور محمد هادي الأميني
1
القسم الثاني :

فـدك



( 96 )


( 97 )

 حدثني أبو زيد عمر بن شبة ، قال : حدثنا حيان بن بشر ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : أخبرنا ابن أبي زائدة ، عن محمد بن اسحاق ، عن الزهري قال : بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يحقن دماءهم ويسيرهم ، ففعل ، فسمع ذلك أهل فدك ، فنزلوا على مثل ذلك ، وكانت للنبي صلى الله عليه وآله خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب (1)
 وروى أحمد بن اسحاق أيضا ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله ، لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، فبعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فصالحوه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق ، أو بعدما أقام بالمدينة ، فقبل ذلك منهم ، وكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وآله خالصة له ، لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب . 
 وقد روى أنه صالحهم عليها كلها ، الله أعلم أي الأمرين كان . 
 قال : وكان مالك بن أنس ، يحدث عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو ابن حزم ، أنه صالحهم على النصف فلم يزل الأمر كذلك حتى أخرجهم عمر بن الخطاب وأجلاهم ، بعد أن عوضهم على النصف الذي كان لهم عوضا من ابل وغيرها . 
 وقال غير مالك بن أنس : لما أجلاهم عمر بعث إليهم من يقوم الأموال ، بعث أبا الهيثم بن التيهان ، وفروة بن عمرو ، وحباب بن صخر ، وزيد بن 
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 21 . الأموال : 9 عن يحيى بن سعيد . فدك : 3 . فتوح البلدان : 36 .
( 98 )

ثابت ، فقوموا أرض فدك ونخلها ، فأخذها عمر ودفع إليهم قيمة النصف الذي لهم ، وكان مبلغ ذلك خمسين ألف درهم ، أعطاهم اياها من مال أتاه من العراق ، وأجلاهم الى الشام (1)
 حدثني محمد بن زكريا قال : حدثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي . قال : حدثني أبي ، عن الحسين بن صالح بن حي ، قال : حدثني رجلان من بني هاشم ، عن زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ، وحدثني عثمان بن عمران العجيفي ، عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام .
 وحدثني أحمد بن محمد بن يزيد ، عن عبد الله بن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، قالوا جميعا : لما بلغ فاطمة ( عليها السلام ) ، اجماع أبي بكر على منعها فدك ، لاثت خمارها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ في ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار ، فضرب بينها وبينهم ربطة بيضاء ، وقال بعضهم : قبطية ، وقالوا : قبطية بالكسر والضم ، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ، ثم مهلت وطويلا حتى سكنوا من فورتهم ، ثم قالت : 
 ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد والطول والمجد ، الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر بما ألهم ، وذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها : 
 فاتقوا الله حق تقاته ، وأطيعوه فيما أمركم به ، فإنما يخشى الله من عباده العلماء ، واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السموات والأرض إليه 
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 21 . معجم البلدان 4 : 238 . فدك : 31 فتوح البلدان : 36 .
( 99 )

الوسيلة ، ونحن وسيلته في خلقه ، ونحن خاصته ، ومحل قدسه ، ونحن محبته في غيبه ، ونحن ورثة أنبيائه . 
 ثم قالت : أنا فاطمة ابنة محمد ، أقول عودا على بدء ، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا ، فاسمعوا بأسماع واعية ، وقلوب راعية ، ثم قالت : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (1) فان تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم ، وآخا ابن عمي دون رجالكم ، ثم ذكرت كلاما طويلا سنذكره فيما بعد في الفصل الثاني ، تقول في آخره : ثم أنتم الآن تزعمون أني لا أرث أبي ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (2) أيها معاشر المسلمين ، ابتز ارث أبي أبى الله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئا فريا ، دونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم (3) ، ثم التفتت الى قبر أبيها ، فتمثلت بقول هند بنت اثاثة (4) : 

قد كان بعدك أنباء وهيمنــة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
أبدت رجال نجوى صدورهـم * لمـا قضيت وحالت دونك الكتب
تجهمتنا رجال واستخف بنــا * إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

 قال : ولم ير الناس أكثر باك ولا باكية منهم يومئذ ، ثم عدلت الى مسجد الأنصار ، فقالت : يا معشر البقية ، وأعضاد الملة ، وحضنة الاسلام ، ما هذه الفترة عن نصرتي ، والونية عن معونتي ، والغمزة في حقي ، والسنة في ظلامتي ، أما 
____________
(1) سورة التوبة : 128 ، 129 .
(2) سورة المائدة : 50 .
(3) سورة هود : 39 .
(4) هند بنت أثاثة بن عبد المطلب . شاعرة من شواعر العرب أسلمت وبايعت النبي ( صلى الله علهى وآله وسلم ) لها شعر في المعاجم . أعلام النساء 5 : 216 . الطبقات الكبرى 2 : 331 . الدر المنثور : 536 . سيرة ابن هشام 3 : 43 ، 97 . نهاية الأرب 17 : 101 . معجم ما استعجم : 836 . الاعلام 9 : 102 .

( 100 )

كان رسول الله صلى الله عليه وآله ، يقول : المرء يحفظ في ولده ، سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ما أتيتم ، الآن مات رسول الله صلى الله عليه وآله أمتم دينه ، ها إن موته لعمري خطب جليل استوسع وهنه ، واستبهم فتقه ، وفقد راتقه ، وأظلمت الأرض له ، وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال ، أضيع بعده الحريم ، وهتكت الحرمة ، واذيلت المصونة ، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته ، وانبأكم بها قبل وفاته ، فقال : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقبلتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ، وسيجزي الله الشاكرين (1)
 أيها بني قيلة ، اهتضم تراثي أبي ، وأنتم بمرأى ومسمع ، تبلغكم الدعوة ، ويشملكم الصوت ، وفيكم العدة والعدد ، ولكم الدار والجنن ، وأنتم نخبة الله التي انتخب ، وخيرته التي اختار ، باديتم العرب وبادتهم الأمور ، وكافحتهم البهم حتى دارت بكم رحى الاسلام ، ودر حلبه ، وخبت نيران لحرب ، وسكنت فورة الشرك ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوثق نظام الدين ، أفتأخرتم بعد الأقدام ، ونكصتم بعد الشدة ، وجبنتم بعد الشجاعة ، عن قوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم ، ( فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون (2)
 ألا وقد أرى ان قد أخلدتم الى الخفض ، وركنتم الى الدعة ، فجحدتم الذي وعيتم ، وسغتم الذي سوغتم ، ( وان تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد (3) ألا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم ، وهور القناة ، وضعف اليقين ، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ، ناقبة الخف ، باقية العار ، موسومة الشعار ، موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على 
____________
(1) سورة آل عمران : 144 .
(2) سورة التوبة : 12 .
(3) سورة ابراهيم : 8 .

( 101 )

الأفئدة (1) فبعين الله ما تعلمون ،( وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون (2)
 حدثني محمد بن زكريا ، قال : حدثنا محمد بن الضحاك ، قال : حدثنا هشام بن محمد ، عن عوانة بن الحكم ، قال : لما كلمت فاطمة عليها السلام أبا بكر بما كلمته به ، حمد أبو بكر الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال : 
 يا خيرة النساء ، وابنة خير الآباء ، والله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه وآله ، وما عملت إلا بأمره ، وإن الرائد لا يكذب أهله ، وقد قلت فأبلغت ، وأغلظت فأهجرت ، فغفر الله لنا ولك ، أما بعد فقد فعت آلة رسول الله ودابته وحذاءه الى علي عليه السلام ، وأما سوى ذلك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا ، ولكنا نورث الايمان والحكمة والعلم والسنة ، فقد عملت بما أمرني ، ونصحت له وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب (3)
 وروى هشام بن محمد ، عن أبيه قال : قالت فاطمة ، لأبي بكر : إن أم أيمن تشهد لي ان رسول الله صلى الله عليه وآله ، أعطاني فدك ، فقال لها : يا ابنة رسول الله ، والله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وآله أبيك ، ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك ، والله لأن تفتقر 
____________
(1) سورة الهمزة : 7 .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 211 . وقد اختصر الخطبة وتأتي بمجموعها في الملحقات كما جاءت في كتاب السقيفة وفدك ـ لأبي بكر الجوهري .
(3) ابن أبي الحديد 13 : 213 .
 لقد أجاب المحققون والمحدثون على كلام أبي بكر ، وأن قوله هذا مفتعل على النبي الأعظم ( ص ) ومختلق على لسانه ( ص ) لأن جميع مفاهيم الاسلام والسنة المحمدية ظهرت واضحة على عهد النبي ( ص ) فكيف لم يظهر هذا القول إلا بعد وفاته والناقل له هو وحده . . . وهل أن النبي ( ص ) لا سمح الله أتى خلاف ما جاء به القرآن كما قالت واستشهدت بها فاطمة ( ع ) من الآيات ، وكيف أخرج أبو بكر وبأي ديل وسنة ، آلة الرسول ودابته وحذاءه من ضمن الأرث ودفعها الى علي ( ع ) .
 وعلى حد قول أبي بكر فان فاطمة الزهراء ( ع ) ورثت ايمان النبي ( ص ) وحكمته وعلمه وسنته ، وأنها وارثه في جميع ذلك ، هل يمكن أن تدعي ما ليس لها بحق . . . كلا وألف كلا . . . وهل يجوز لأبي بكر ان يقول في حق الصديقة الطاهرة : أغلظت فأهجرت ، فغفر الله لنا ولك . . . اللهم اليك المشتكى واليك المصير .

( 102 )

عائشة أحب إلي من أن تفتقري ، أتراني أعطي الأحمر والأبيض حقه وأظلمك حقك ، وأنت بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إن هذا المال لم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنما كان مالا من أموال المسلمين (1) يحمل النبي به الرجال ، وينفقه في سبيل الله ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليته كما كان يليه ، قالت : والله لا كلمتك أبدا ، قال : والله لا هجرتك أبدا ، قالت : والله لأدعون الله عليك ، قال : والله لأدعون الله لك ، فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلى عليها ، فدفنت ليلا ، وصلى عليها عباس بن عبد المطلب ، وكان بين وفاتها ووفاة أبيها اثنتان وسبعون ليلة (2).
 حدثني محمد بن زكريا . قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، بالأسناد الأول ، قال : فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر ، وقال : أيها الناس ما هذه الرعة الى كل قالة ، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ألا من سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلم ، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه ، مرب لكل فتنة ، هو الذي يقول : كروها جذعة بعدما هرمت ، يستعينون بالضعفه ، ويستنصرون بالنساء ، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي ، ألا اني لو أشاء أن أقول لقلت : ولو قلت لبحت ، إني ساكت ما تركت . ثم التفت الى الأنصار فقال : قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم ، وأحق من لزم عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، ألا إني لست باسطا يدا ولا لسانا على من لم يستحق ذلك منا . 
 ثم نزل ، فانصرفت فاطمة عليها السلام إلى منزلها (3)
____________
(1) اتفقت كلمة المحدثين على ان ـ فدك ـ كانت خالصة لرسول الله ( ص ) فقط ، وانه منحها في السنة السابعة من الهجرة الى الصديقة الطاهرة ، فتصبح فدك خارجة من الأرث ، فضلا عن أن الزهراء ( ع ) تصرفت بها الى حين وفاة النبي ( ص ) .
 وهذه الجملة من أبي بكر ان دلت على شيء فانما تدل على كذبه الصريح ، وانه كسائر كلماته لم تكن منبعثة عن صدق وايمان .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 214 تفسير الرازي 8 : 125 . فدك : 46 .
(3) ابن أبي الحديد 16 : 214 .

( 103 )

 حدثني محمد بن زكريا ، قال : حدثني ابن عائشة ، قال : حدثني أبي ، عن عمه قال : لما كلمت فاطمة أبا بكر بكى ثم قال : يا ابنة رسول الله ، والله ما ورث أبوك دينارا ولا درهما ، وانه قال : إن الأنبياء لا يورثون ، فقالت ، أن فدك وهبها لي رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : فمن يشهد بذلك ، فجاء علي بن أبي طالب عليه السلام فشهد ، وجاءت أم ايمن فشهدت أيضا ، فجاء عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، فشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كان يقسمها ، قال أبو بكر ، صدقت يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصدق علي ، وصدقت أم أيمن ، وصدق عمر ، وصدق عبد الرحمنن بن عوف ، وذلك أن مالك لأبيك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ من فدك قوتكم ، ويقسم الباقي ، ويحمل منه في سبيل الله ، فما تصنعين بها ، قالت : أصنع بها كما يصنع بها أبي ، قال فلك علي الله أن أصنع فيها كما كان يصنع فيها أبوك ، قال : الله لتفعلن قال : الله لأفعلن ، قالت اللهم اشهد ، وكان أبو بكر يأخذ غلتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم ، ويقسم الباقي ، وكان عمر كذلك ، ثم كان عثمان كذلك ثم كان علي كذلك فلما ولي الأمر معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثها ، وأقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها ، 
____________
(1) لما ولي عثمان أقطع فدكا الى مروان بن الحكم . سنن البيهقي 6 : 301 ، الغدير 7 : 195 . وأما في عهد عمر بن الخطاب فقد رد فدكا الى ورثة رسول الله ( ص ) فكان علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب يتنازعان فيها ، فكان علي يقول : إ ن رسول الله ( ص ) جعلها في حياته لفاطمة ، وكان العباس يأبى ذ لك ويقول : هي ملك رسول الله ( ص ) وأنا وارثه ، فكانا يتخاصمان الى عمر فيأبى ان يحكم بينهما . الغدير 7 : 194 . تاج العروس 7 : 166 . الأموال لأبي عبيد : 11 البداية 5 : 288 . معجم البلدان 4 : 238 .
(2) لم يتسلم الامام امير المؤمنين ( ع ) في خلافته فدكا ، ولم يشتغل بها ولم يكن لدينا ما يثبت ذلك ، وقد أجاب الامام الصادق ( ع ) عن عدم استرجاع علي ( ع ) ، فدكا ، فقال : لأن الظالم والمظلومة قد كانا قدما على الله وأثاب الله المظلومة ، وعاقب الظالم ، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوب منه .
 وأجاب الامام الكاظم ( ع ) فقال : لأنا أهل البيت لا يأخذ لنا حقوقنا ممن ظلمنا إلا هو ـ يعني الله عز وجل ـ ونحن أولياء المؤمنين ، انما نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم ولا نأخذ لأنفسنا ـ فدك : 193 .

( 104 )

وأقطع يزيد بن معاوية ثلثها ، وذلك بعد موت الحسن بن علي عليه السلام ، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان بن الحكم أيام خلافته ، فوهبها لعبد العزيز ابنه ، فوهبها ابنه عبد العزيز ، لابنه عمر بن عبد العزيز ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ، كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقيل : بل دعا علي بن الحسين عليه السلام فردها عليه . 
 وكانت بيد اولاد فاطمة عليها السلام ، مدة ولاية عمر بن عبد العزيز ، فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم ، فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها ، حتى انتقلت الخلافة عنهم ، فلما ولي أبو العباس السفاح ، ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن ، ثم قبضها أبو جعفر لما حدث من بني حسن ما حدث ، ثم ردها المهدي ابنه ، على ولد فاطمة عليها السلام ، ثم قبضها موسى بن المهدي ، وهارون أهوه ، فلم تزل في أيديهم حتى ولي المأمون ، فردها على الفاطميين (1)
 حدثني محمد بن زكريا قال : حدثني مهدي بن سابق ، قال : جلس المأمون للمظالم ، فأول وقعة وقعت في يده نظر فيها وبكى وقال للذي على رأسه : ناد أين وكيل فاطمة ، فقام شيخ وعليه دراعة وعمامة وخف تعزى ، فتقدم فجعل يناظره في فدك ، والمأمون يحتج علهى وهو يحتج على المأمون ، ثم أمر أن يسجل لهم بها فكتب التسجيل وقرئ عليه ، فأنفذه ، فقام دعبل الى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها :

أصبح وجه الزمان قد ضحكا * برد مأمـون هاشـم فدكــا

 فلم تزل في أيديهم حتى كان في أيام المتوكل ، فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار ، وان فيها احدى عشرة نخلة غرسها رسول الله صلى الله عليه وآله بيده ، فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها ، فإذا أقدم الحجاج أهدوا لهم من ذلك التمر 
____________
(1) ابن أبي الحديد 16 : 216 .
( 105 )

فيصلونهم ، فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل ، فصرم (1) عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر ، ووجه رجلا يقال له بشران بن أبي امية الثقفي الى المدينة فصرمه ، ثم عاد الى البصرة ففلج (2).
 أخبرنا أبو زيد عر بن شبة ، قال : حدثنا سويد بن سعيد ، والحسن بن عثمان ، قالا : حدثنا الوليد بن محمد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن فاطمة عليها السلام ، أرسلت الى أبي بكر تسأله عن ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة ، وفدك ، وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال ، واني والله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولأعلمن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئا ، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد أبيها ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها علي عليه السلام ليلا ولم ويؤذن بها أبا بكر (3).
 وأخبرنا أبو زيد ، قال : حدثنا عمر بن عاصم ، وموسى بن اسماعيل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن الكلبي . عن أبي صالح ، عن أم هاني ، أن فاطمة قالت لأبي بكر : من يرثك إذا مت ؟ قال : ولدي وأهلي ، قال : فما لك ترث رسول الله صلى الله عليه وآله دوننا ؟ قال : يا ابنة رسول الله ، ما ورث أبوك دارا ولا مالا ولا ذهبا ولا فضة ، قالت : بلى سهم الله الذي جعله لنا ، وصار فيئنا الذي بيدك ، فقال لها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إنما هي طعمه اطعمناها الله ، فإذا مت كانت بين المسلمين (4)
____________
(1) صرم النخل : جذه وقطعه .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 217 . فدك 58 .
(3) ابن أبي الحديد 16 : 217 . كشف الغمة 1 : 374 .
(4) ابن أبي الحديد 16 : 217 . فتوح البلدان : 38 . فدك : 34 . كنز العمال 3 : 13 . كشف الغمة 1 : 477 .

( 106 )

 وأخبرنا أبو زيد قال : حدثنا اسحاق بن ادريس ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن فاطمة ، والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهما حينئذ يطلبان أرضه بفدك ، وسهمه بخيبر ، فقال لهما أبو بكر : أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا نورث ، ما تركناه صدقة ، أنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وآله من هذا المال ، واني والله لا أغير أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنعه الا صنعته (1) قال : فهجرته فاطمة فل تكلمه حتى ماتت (2)
 وأخبرنا أبو زيد ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا محمد بن الفضل ، عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل ، قال : أرسلت فاطمة الى أبي بكر : أن ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله ، أم أهله ؟ قال : بل أهله ، قالت : فما بال سهم رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن الله أطعم نبيه طعمة ، ثم قبضه ، وجعله للذي يقوم بعده ، فوليت أنا بعده ، أن ارده على المسلمين ، قالت : أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله أعلم . 
 قلت : في هذا الحديث عجب ، لأنها قالت له : أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله أم أهله ، قال : بل أهله ، وهذا تصريح بأنه صلى الله عليه وآله موروث يرثه أهله ، وهو خلاف قوله : لا نورث ، وأيضا فانه يدل على أن أبا بكر 
____________
(1) كذب صريح ، وادعاء فارغ والدليل على هذا سيرته مع فاطمة الزهراء عليها السلام فان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العام السابع من الهجرة منح بضعته الصديقة ، فدك ، فلماذا سلبه منها واغضب الصديقة .

ولأي الأمـور تدفــن ليلا * بضعة المصطفى ويعفى ثراها

 ألم يسمع قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا فاطمة ، ان الله عز وجل يغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك ، مستدرك الصحيحين 3 : 153 . كنز العمال 7 : 111 . ذخائر العقبى : 39 . كفاية الطالب : 364 .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 217 .
 صحيح البخاري 5 : 5 . صحيح مسلم 2 : 72 . مسند أحمد 1 : 6 . تاريخ الطبري 3 : 2 2 . كفاية الطالب : 37 . سنن البيهقي 6 : 103 . الغدير 7 : 266 . كشف الغمة 1 : 374 .

( 107 )

استنبط من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ، أن الله أطعم نبيا طعمة أن يجري رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته مجرى ذلك النبي صلى الله عليه وآله ، أو يكون قد فهم انه عني بذلك النبي المنكر لفظا نفسه ، كما فهم من قوله في خطبته ، أن عبدا خيره الله بين الدنيا وما عند ربه ، فاختار ما عند ربه ، فقال أبو بكر : بل نفديك بأنفسنا(1).
 وأخبرنا أبو زيد قال : أخبرنا القعنبي قال : حدثنا عبد العزيز محمد ، عن محمد بن عمر ، عن أبي سلمة ، أن فاطمة طلبت فدك من أبي بكر ، فقال : اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقول : إن النبي لا يورث ، من كان النبي يعوله فأنا أعوله . ومن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينفق عليه فأنا أنفق عليه ، فقالت : يا أبا بكر ، أيرثك بناتك ولا يرث رسول الله صلى الله عليه وآله بناته ؟ قال : هو ذاك (2)
 أخبرنا أبو زيد ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، قال حدثنا البحتري بن حسان قال : قلت لزيد بن علي عليه السلام ، وأنا أريد أن اهجن أمر أبي بكر : ان أبا بكر انتزع فدك من فاطمة عليها السلام فقال : إن أبا بكر كان رجلا رحيما ، وكان يكره أن يغير شئيا فعله رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأتته فاطمة فقالت : أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاني فدك ، فقال لها : هل لك على هذا بينة ؟ فجاءت بعلي عليه السلام فشهد لها ، ثم جاءت أم ايمن فقالت : ألستما تشهدان اني من أهل الجنة ، قالا : بلى : قال أبو زيد : يعني انها قالت لأبي بكر ، وعمر ، قالت : فأنا أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاها فدك ، فقال أبو بكر : فرجل آخر وامرأة اخرى لتستحقي بها القضية ، ثم قال أبو زيد : وأيم الله لو رجع الأمر إلي لقضيت فيها بقضاء أبي 
____________
(1) ابن أبي الحديد 16 : 218 .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 219 .

( 108 )

بكر (1).
 وأخبرنا أبو زيد ، قال : حدثنا محمد بن الصباح قال : حدثنا يحيى بن المتوكل أبو عقيل ، عن كثير النوار ، قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي عليه السلام : جعلني الله فداك ، أرأيت أبا بكر وعمر ، هل ظلماكم من حقكم شيئا ، أو قال : ذهبا من حقكم بشيء ، فقال : لا ، والذي انزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، ما ظلمنا من حقنا مثقال حبة من خردل ، قلت : جعلت فداك أفأتولاهما ، قال : نعم ويحك ، تولهما في الدنيا والآخرة ، وما أصابك ففي عنقي ، ثم قال : فعل الله بالمغيرة وبنان ، فأنهما كذبا علينا أهل البيت . 
 أخبرنا أبو زيد قال : حدثنا عبد الله بن نافع ، والقعنبي ، عن مالك عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله أردن لما توفي أن يبعثن عثمان بن عفان الى أبي بكر يسألنه ميراثهن ، أو قال ثمنهن ، قالت : فقلت لهن ، أليس قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا نورث ما تركناه صدقة (2)
 وأخبرنا أبو زيد ، قال : حدثنا عبد الله بن نافع والقعنبي ، وبشر بن عمر ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا يقسم ورثتي دينارا ولا درهما ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عيالي فهو صدقة .
 قلت : وهذا حديث غريب ، لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الأرث إلا أبو بكر وحده (3)
____________
(1) ابن أبي الحديد 16 : 219 . معجم البلدان 4 : 239 . الصواعق المحرقة الباب الثاني : 32 . فدك : 51 .
 الحديث مقدوح لوجود فضيل بن مرزوق الرقاشي فيه ، قال النسائي : ضعيف . وقال ابن حبان في الثقات يخطئ ، وقال في الضعفاء : كان يخطئ على الثقات ، ويروي عن عطية العوفي الموضوعات . تهذيب التهذيب 7 : 299 . ميزان الاعتدال 3 : 362 .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 220 .
(3) ابن أبي الحديد 16 : 220 .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق