السَّقِيفَةُ وَفَدَكْ
لأبي بكر
أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي
المتوفى
ـ 323 هـ
اصدار
مكتبة
نينوى الحديثة
طهران
ناصر خسرو ـ مروي
تقديم
وجمع وتحقيق
الدكتور
محمد هادي الأميني
( 1 )
السَقّيفة
وفَدكُ
لأبي
بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي
المتوفى
ـ 323هـ
رواية
عز
الدين عبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلي المتوفى 656
تقديم
وجمع وتحقيق
الدكتور
محمد هادي الأميني
1
وروى ان ثابت بن قيس بن شماس كان مع الجماعة الذين حضروا مع عمر ، في بيت فاطمة عليها السلام ، وثابت هذا أخو بني الحارث بن الخرزج .
وروى ان محمد بن سلمة كان معهم ، وإن محمدا هو الذي كسر سيف الزبير (1).
حدثني يعقوب بن شبة ، عن أحمد بن أيوب ، عن ابراهيم بن سعد ، عن ابن اسحاق عن الزهري عن عبد الله بن عباس قال : خرج علي عليه السلام على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، في مرضه فقال له الناس : كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله ، يا أبا الحسن قال : أصبح بحمد الله بارئا قال : فأخذ العباس بيد علي ثم قال : يا علي أنت عبد العصا بعد ثلاث احلف لقد رأيت الموت في وجهه ، واني لأعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب ، فانطلق الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فاذكر له هذا الأمر ان كان فينا أعلمنا ، وان كان في غيرنا أوصى بنا ، فقال : لا أفعل والله ان منعناه اليوم لا يؤتيناه الناس بعده قال : فتوفي
____________
=
عبد الرحمن بن عوف المتوفى 31|32 فقد صلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خلفه في سفرة سافرها الاصابة 2 : 416 . اسد الغابة 3 : 316 . تهذيب التهذيب 6 : 245 ، وفيه : صلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وراءه في غزوة الاستيعاب 2 : 395 .
عمرو بن ام مكتوم القرشي ، ويقال اسمه عبد الله وعمرو وهو ابن قيس بن رائدة بن الأصم قتل في معركة القادسية ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يستخلفه على المدينة في عامة غزواته يصلي بالناس . الاصابة 2 : 523 . اسد الغابة 4 : 126 . الاستيعاب 2 : 502 وفيه : استخلفه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على المدينة ثلاث عشر مرة .
أبو رهم كلثوم بن حصين بن خالد بن العسعس الغفاري . . . استخلفه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على المدينة في غزوة الفتح . الاصابة 4 : 71 . تهذيب التهذيب 8 : 443 . اسد الغابة 4 : 250 . الاستيعاب 3 : 316 .
ومنهم ايضا ابن عبد المنذر فقد خلفه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على المدينة في غزوة بدر ليصلي بالناس ، واستخلف ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في غزوة خيبر للصلاة بالناس ابي ذر الغفاري ، وكذلك في غزوة الحديبية اقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ابن عرفطة ، وفي غزوة ذات السلاسل استخلف ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سعد بن عبادة الى غيرهم من الصحابة .
(1) ابن أبي الحديد 2 : 5 .
الامامة والسياسة 1 : 11 . تاريخ الطبري 3 : 199 . الرياض النضرة 1 : 167 .
رسول الله ذلك اليوم (1).
وحدثني المغيرة بن محمد المهلبي من حفظه ، وعمر بن شبة من كتابه باسناد رفعه الي أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت البراء بن عازب يقول : لم أزل لبني هاشم محبا ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله خفت أن تتمالأ قريش على اخراج هذا الأمر عنهم ، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول ، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فكنت أتردد الى بني هاشم وهم عند النبي صلى الله عليه وآله في الحجرة ، وأتفقد وجوه قريش ، فإني كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمرو وإذ قائل يقول : القوم في سقيفة بني ساعدة ، وإذا قائل آخر يقول : قد بويع أبا بكر فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد اقبل ومعه عمر وابو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه ، وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبى ، فانكرت عقلي وخرجت اشتد حتى انتهيت الى بني هاشم والباب مغلق ، فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا وقلت : قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة ، فقال العباس : تربت أيديكم إلى آخر الدهر ، أما اني قد أمرتكم فعصيتموني . فمكثت أكابد ما في نفسي ، ورأيت في الليل المقداد ، وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت ، وابا الهيثم بن التميان ، وحذيفة وعمارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين .
فلما كان بليل خرجت الى المسجد فلما صرت فيه تذكرت اني كنت اسمع همهمة رسول الله صلى الله عليه وآله ، بالقرآن فامتنعت من مكاني فخرجت الى الفضاء ، فضاء بني قضاعة ، وأجد نفرا يتناجون فلما دنوت منهم سكتوا ، فانصرفت عنهم ، فعرفوني وما أعرفهم فدعوني إليهم فأتيتهم فأجد المقداد بن الأسود ، وعبادة بن الصامت ، وسلمان الفارسي ، وأبا ذر ، وحذيفة ، وأبا الهيثم بن
____________
(1) ابن أبي الحديد 2 : 51 . تاريخ الطبري 3 : عن ابن حميد عن سلمة قال : حدثنا محمد بن اسحاق . الكامل 2 : 321 . سيرة ابن هشام 4 : 332 .
التيهان ، وإذا حذيفة يقول لهم : والله ليكونن ما أخبرتكم به ، والله ما كذبت ولا كذبت ، وإذا القوم يريدون ان يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين .
ثم قال ائتوا أًًبي بن كعب ، فقد علم كما علمت قال : فانطلقنا الى ابي ، فضربنا عليه بابه حتى صار خلف الباب ، فقال : من أنتم فكلمه المقداد ، فقال : ما حاجتكم ؟ فقال له : ما أنا بفاتح بابي ، وقد عرفت ما جئتم له كأنكم أردتم النظر في هذا العقد فقلنا : نعم ، فقال أفيكم حذيفة ؟ فقلنا : نعم ، قال : فالقول ما قال : وبالله ما افتح عني بابي حتى تجرى على ما هي جارية ، ولما يكون بعدها شر منها والى الله المشتكى .
وبلغ الخبر أبا بكر ، وعمر ، فأرسلا الى أبي عبيدة والمغيرة بن شعبة ، فسألاهما عن الرأي ، فقال المغيرة : ان تلقوا العباس فتجعلوا له هذا الأمر نصيبا فيكون له ولعقبه ، فتقطعوا به من ناحية علي ، ويكون لكم حجة عند الناس على علي ، إذا مال معكم العباس .
فانطلق أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة ، والمغيرة ، حتى دخلوا على العباس ، وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه وقال :
إن الله ابتعث لكم محمدا صلى الله عليه وآله نبيا ، وللمؤمنين وليا ، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم ، حتى اختار له ما عنده ، فخلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم ، متفقين غير مختلفين فاختاروني عليهم واليا ، ولأمورهم راعيا ، فتوليت ذلك ، وما أخاف بعون الله وتسديده وهنا ولا حيرة ولا جبنا ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب ، وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين ، يتخذ لكم لجأ فتكونوا حصنه المنيع ، وخطبه البديع ، فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس ، أو صرفتموهم عما مالوا إليه ، فقد جئناك ، ونحن نريد ان نجعل لك في هذا الأمر نصيبا ، ولمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله صلى
الله عليه وآله ، وان كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومكان أهلك ، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم وعلى رسلكم بني هاشم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم .
فاعترض كلامه عمر ، وخرج الى مذهبه في الخشونة والوعيد واتيان الأمر من أصعب جهاته ، فقال : اي والله ، واخرى انا لم نأتكم حاجة اليكم ، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم فانظروا لأنفسكم وعامتهم ، ثم سكت .
فتكلم العباس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ان الله ابتعث محمدا نبيا ، كما وصفت ، ووليا للمؤمنين ، فمن الله به على امته حتى اختار له ما عنده ، فخلى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم ، مصيبين للحق ماثلين عن زيغ الهوى ، فان كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت ، وان كنت بالمؤمنين فنحن منهم ، وما تقدمنا في أمركم فرطا ، ولا حللنا وسطا ، ولا نزحنا شحطا ، فان كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنا كارهين وما أبعد قولك انهم طعنوا من قولك انهم مالوا اليك ، وما ما بذلت لنا فان يكن حقك اعطيتناه فامسكه عليك ، وان يكن حق المؤمنين فليس لك ان تحكم فيه ، وان يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض ، وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه ، ولكن للحجة نصيبها من البيان ، وأما قولك ، ان رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها . وأما قولك يا عمر ، انك تخاف الناس علينا ، فهذا الذي قدمتموه أول ذلك ، وبالله المستعان (1).
أخبرنا أحمد بن اسحاق بن صالح قال : حدثنا عبد الله بن عمر ، عن حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وآله
____________
(1) ابن أبي الحديد 1 : 219 .
الامامة والسياسة 1 : 15 . تاريخ اليعقوبي 2 : 103 . الغدير 7 : 93 . سيرة ابن هشام 4 : 340 .
اجتمعت الأنصار الى سعد بن عبادة ، فأتاهم أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة ، فقال الحباب بن المنذر : منا أمير ومنكم أمير ، انا والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط ، ولكنا نخاف أن يليه بعدكم من قتلنا أبناءهم ، وآباءهم ، وأخوانهم ، فقال عمر بن الخطاب ، إذا كان ذلك قمت ان استطعت . فتكلم أبو بكر فقال : نحن الامراء وأنتم الوزراء ، والأمر بيننا نصفان كشق الا بلمة (1) فبويع ، وكان أول من بايعه بشير بن سعد ، والد النعمان بن بشير .
فلما اجتمع الناس على أبي بكر ، قسم قسما(2) بين نساء المهاجرين والأنصار ، فبعث الى امرأة من بني عدي بن النجار ، قسمها مع زيد بن ثابت ، فقالت : ما هذا ؟ قال : قسم قسمة أبو بكر للنساء ، قالت : اتراشونني عن ديني ، والله لا أقبل منه شيئا ، فردته عليه (3).
حدثني يعقوب بن شيبة ، باسناد رفعه الى طلحة بن مصرف(4) قال : قلت لهذيل بن شرحبيل ان الناس يقولون : إن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى الى علي عليه السلام ، فقال : أبو بكر ، يتأمر على وصى رسول الله صلى الله عليه وآله ، ود أبو بكر انه وجد من رسول الله صلى الله عليه وآله عهدا فخزم أنفه (5).
وحدثني أحمد بن اسحاق بن صالح ، قال : حدثني عبد الله بن عمر بن
____________
(1) الابلمة : بضم الهمزة واللام وفتحهما وكسرهما : خوصة المقل . يقول : نحن واياكم في الحكم سواء ، لا فضل لأمير على مأمور ، كالخوصة إذا شقت اثنتين متساويتين .
(2) القسم : العطاء .
(3) ابن أبي الحديد 2 : 52 .
(4) أبو محمد طلحة بن معروف بن عمرو بن كعب بن جحدب بن معاوية بن سعد بن الحارث الهمداني اليامي المتوفى 112 ، كان عثمانيا ، وأما هزيل بن شرحبيل الازدي الكوفي فانه لم يدرك النبي (ص) وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين . تهذيب التهذيب 5 : 25 . الاصابة 3 : 619 . الطبقات الكبرى 2 : 26 .
(5) ابن أبي الحديد 2 : 53 . الطبقات الكبرى 2 : 26 وفيه عن وكيع بن الجراح ، وشعيب بن الحرب عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف . ووكيع بن الجراح مجروح جدا وقد قدح فيه أحمد بن حنبل بثلاث جرحات .
معاذ ، عن ابن عون ، قال : حدثني رجل من زريق ، أن عمر كان يومئذ ، قال : يعني يوم بويع أبو بكر ـ محتجزا (1) ـ يهرول بين يدي أبي بكر ويقول : ألا إن الناس قد بايعوا أبا بكر ، قال : فجاء أبو بكر حتى جلس على منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أما بعد فإني وليتكم ولست بخيركم ، ولكنه نزل القرآن ، وسنت السنن ، وعلمنا فتعلمنا ان اكيس الكيس التقى ، وأحمق الحمق الفجور ، وان اقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بالحق ، وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق ، أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع ، إذا أحسنت فأعينوني ، وإذا زغت فقوموني (2).
وحدثني أبو زيد عمر بن شبة ، قال : حدثنا أحمد بن معاوية ، قال : حدثني النضر بن شميل ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، عن مسلمة بن عبد الرحمن ، قال : لما جلس أبو بكر على المنبر . كان علي ، والزبير ، وناس من بني هاشم في بيت فاطمة ، فجاء عمر إليهم ، فقال : والذي نفسي بيده لتخرجن الى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم . فخرج الزبير مصلتا سيفه ، فاعتنقه رجل من الانصار ، وزياد بن لبيد ، فدق به فبدر السيف ، فصاح به أبو بكر وهو على المنبر ، اضرب به الحجر ، قال أبو عمرو بن حماس : فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة ، ويقال : هذ ضربة سيف الزبير .
ثم قال أبو بكر : دعوهم فسيأتي الله بهم ، قال : فخرجوا إليه بعد ذلك فبايعوه (3). وقد روى في رواية اخرى أن سعد بن أبي وقاص ، كان معهم في بيت
____________
(1) يقال : احتجز بالأزار إذا شده على وسطه .
(2) ابن أبي الحديد 2 : 56 . تاريخ الطبري 3 : 203 بصورة مفصلة . العقد الفريد 2 : 130 . عيون الأخبار 2 : 234 . سيرة ابن هشام 2 : 430 . جمهرة خطب العرب 1 : 180 .
(1) ابن ابي الحديد 2 : 56 . تاريخ الطبري 3 : 199 .
فاطمة عليها السلام ، والمقداد بن الأسود ايضا ، وانهم اجتمعوا عللاى ان يبايعوا عليا عليه السلام ، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت ، فخرج إليه الزبير بالسيف ، وخرجت فاطمة عليها السلام ، تبكي وتصيح فنهنهت من الناس ، وقالوا : ليس عندنا معصية ولا خلاف في خير اجتمع عليه الناس ، وانما اجتمعنا لنولف القرآن في مصحف واحد ، ثم بايعوا أبا بكر ، فاستمر الأمر واطمأن الناس (1).
وحدثني أبو زيد عمر بن شبة ، قال : أخبرنا أبو بكر الباهلي . قال : حدثنا اسماعيل بن مجالد ، عن الشعبي قال : سأل أبو بكر فقال : أين الزبير ، فقيل عند علي وقد تقلد سيفه ، فقال : قم يا عمر ، فقم يا خالد بن الوليد ، انطلقا حتى تأتياني بهما ، فانطلقا ، فدخل عمر وقام خالد على باب البيت من خارج ، فقال عمر للزبير : ما هذا السيف ؟ فقال : نبايع عليا فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه ، وقال : يا خالد دونكه فامسكه ثم قال لعلي : قم فبايع لأبي بكر ، فتلكأ واحتبس فأخذ بيده ، وقال : قم فأبى أن يقوم ، فحمله ودفعه كما دفع الزبير ، فأخرجه ، ورأت فاطمة ما صنع بهما ، فقامت على باب الحجرة ، وقالت : يا أبا بكر أسرع ما اغرتم على أهل البيت رسول الله ، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله ، قال : فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك وشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه (2).
وحدثنا أبو زيد : حدثنا محمد بن حاتم قال : حدثنا الحرامي قال : حدثنا الحسين بن زيد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن ابن عباس ، قال : مر بعلي وعنده ابن عباس بفناء داره فسلم ، فسألاه : اين تريد ؟ فقال : مالي بينبع .
____________
(1) ابن أبي الحديد 2 : 56 .
(2) ابن أبي الحديد 2 : 57 . كفاية الطالب : 370 . صحيح البخاري فرض الخمس . صحيح مسلم 2 : 72 . مسند احمد 1 : 6 . تاريخ الطبري 3 :202. سنن البيهقي 6 : 300 . ابن كثير 5 : 285 . تاريخ الخميس 2 : 193 . الغدير 7 : 226 . النص والاجتهاد : 82 . مصالب القواصب 1 : خ
قال علي : أفلا نصل جناحك ونقوم معك ؟ فقال : بلى ، فقال لابن عباس : قم معه ، قال فشبك أصابعه في أصابعي ، ومعنى حتى إذا خلفنا البقيع ، قال : يا ابن عباس ، أما والله ان كان صاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله إلا أنا خفناه على اثنتين ، قال ابن عباس : فجاء بمنطق لم أجد بدا معه في مسألته عنه ، فقلت : يا أمير المؤمنين : ماهما ؟ قال : خشيناه على حداثة سنه ، وحبه بني عبد المطلب (1).
وحدثني أبو زيد قال : حدثنا هارون بن عمر باسناد رفعه الى ابن عباس رحمه الله تعالى قال : تفرق الناس ليلة الجابية (2) عن عمر فسار كل واحد مع إلفه ، ثم صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا ، فحادثته فشكى الي تخلف علي عنه ، فقلت : ألم يعتذر اليك ؟ قال : بلى ، فقلت : هو ما اعتذر به ، قال : يا ابن عباس ، إن أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر ، ان قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة ، قلت : لم ذاك يا أمير المؤمنين ألم تنلهم خيرا ؟ قال بلى ولكنهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفا (3).
وأخبرنا أبو زيد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن الخطاب قال : حدثنا علي بن هشام مرفوعا الى عاصم بن عمرو بن قتادة ، قال : لقي علي عليه السلام عمر ، فقال له علي عليه السلام : انشدك الله هل استخلفك رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : لا ، قال : فكيف تصنع أنت وصاحبك ، قال : أما صاحبي فقد مضى لسبيله ، ما أنا فسأخلعها من عنقي الى عنقك ، فقال : جدع الله أنف من ينقذك منها ، لا ولكن جعلني الله علما ، فإذا قمت فمن خالفني ضل (4).
وأخبرنا أبو زيد ، عن هارون بن عمر ، عن محمد بن سعيد بن الفضل
____________
(1) ابن أبي الحديد 2 : 57 .
(2) الجابية : قرية من أعمال دمشق ، ذكر ياقوت ان عمر خطب فيه خطبته المشهورة . معجم البلدان 2 : 91 .
(3) ابن أبي الحديد 2 : 57 . وجحفا جحفا : أي فخرا فخرا وشرفا شرفا .
(4) ابن أبي الحديد 2 : 58 .
عن أبيه ، عن الحارث بن كعب ، عن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي ، قال : كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله صلى الله عليه وآله باليمن ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله جاء المدينة وقد بايع الناس أبا بكر ، فاحتبس عن أبي بكر فلم يبايعه أياما ، وقد بايع الناس ، وأتى بني هاشم ، فقال : أنتم الظهر والبطن والشعار دون الدثار (1). والعصا دون اللحا (2). فإذا رضيتم رضينا وإذا سخطتم سخطنا ، حدثوني ، وان كنتم قد بايعتم هذا الرجل ؟ قالوا : نعم ، قال : على برد ورضا من جماعتكم قالوا : نعم ، قال : فأنا أرضى وأبايع إذا بايعتم أما والله يا بني هاشم انكم الطوال الشجر الطيب الثمر .
ثم إنه بايع أبا بكر ، وبلغت أبا بكر فلم يحفل بها واضطغنها عليه عمر ، فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر الى الشام قال له عمر : اتولي خالدا وقد حبس عليك بيعته ، وقال لبني هاشم قال ؟ وقد جاء بورق من اليمن ، وعبيد وحبشان ودروع ورماح ، ما أرى ان توليه وما آمن خلافه ، فانصرف عنه أبو بكر ، وولى أبا عبيدة بن الجراح ، ويزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة (3).
حدثني أبو جعفر بن الجنيد قال : حدثني ابراهيم بن الجنيد قال : حدثني محفوظ بن المفضل بن عمر قال : حدثني أبو البهلول يوسف بن يعقوب قال : حدثنا حمزة بن حسان ، وكان مولى لبني امية ، وكان مؤذنا عشرين سنة ، وحج غير حجة ، واثنى أبو البهلول عليه خيرا ، قال : حضرت حريز بن عثمان(4) وذكر
____________
(1) الشعار : ما يلي شعر الحب . وهو تحت الدثار .
(2) اللحاء : ما على العصا من قشرها .
(3) ابن أبي الحديد 2 : 58 .
(4) الحديث هذا مختلق وموضوع ففي سنده حريز بن عثمان بن جبر بن أبي أحمر بن أسعد الرجي المشرقي المتوفى 163 ، قال ابن حجر في التهذيب 2 : 239 : قال عبد الوهاب بن الضحاك ، عنه حريز بن عثمان متروك منهم ، وحكاه الأزدي في الضعفاء ولا ينبغي الرواية عنه ، وقيل ليحيى بن صالح لم لم تكتب عن حريز فقال : كيف اكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة . فتح الملك العلي : 110 .
أما يحيى بن صالح الوحاظي أبو زكريا المتوفى 222 ، فقد قال عنه عبد الله بن احمد ، قال : أبي لم اكتب عنه لأني رأيته في مسجد الجامع يسيء الصلاة . تهذيب التهذيب 11 : 230 .
علي ابن أبي طالب فقال : ذاك الذي أحل حرم رسول الله صلى الله عليه وآله حتى كاد يقع .
قال محفوظ : قلت ليحيى بن صالح الوحاظي : قد رويت عن مشايخ من نظراء حريز ، فما بالك لم تحمل عن حريز قال : اني اتيته فناولني كتابا فإذا فيه : حدثني فلان عن فلان ، ان النبي صلى الله عليه وآله لما حضرته الوفاة اوصى ان تقطع يد علي ابن أبي طالب عليه السلام ، فرددت الكتاب ولم استحل أن كتب عنه شيئا .
وحدثني أبو جعفر قال : حدثني ابراهيم ، قال : حدثني محمد بن عاصم صاحب الخانات قال : قال لنا حريز بن عثمان ، ونحن نبغضه ، قالوا : لم ؟ قال : لأنه قتل أجدادي .
قال محمد بن عاصم : وكان حريز بن عثمان نازلا علينا (1).
أخبرني أحمد بن اسحاق قال : حدثنا أحمد بن سيار قال : حدثنا سعيد بن كثير عفير الأنصاري ، أن النبي صلى الله عليه وآله لما قبضاجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قبض ، فقال سعد بن عبادة ، لابنه قيس ، أو لبعض : انني لا استطيع ان أسمع الناس كلامي لمرضي ، ولكن تلق مني قولي فأسمعهم ، فكان سعد يتكلم ، ويستمع ابنه ويرفع به صوته ليسمع قومه فكان من قوله ، بعد حمد الله والثناء عليه ، أن قال : إن لكم سابقة الى الدين ، وفضيلة في الاسلام ليست لقبيلة من العرب ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله ، لبث في قومه بضع عشرة سنة ، يدعوهم الى عبادة الرحمن ، وخلع الأوثان ، فما آمن به من قومه إلا قليل ، والله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله ولا يغروا دينه ، ولا يدفعوا عنه عداه ، حتى أراد الله بكم خير الفضيلة ، وساق اليكم الكرامة ، وخصكم بدينه ، ورزقكم الايمان به
____________
(1) ابن أبي الحديد 4 : 70 .
وبرسوله ، والاعزاز لدينه ، والجهاد لأعدائه ، فكنتم أشد الناس على من تخلف عنه منكم ، وأثقله على عدوه من غيركم ، حتى استقاموا لأمر الله طوعا وكرها ، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داحضا حتى أنجز الله لنبيكم الوعد ، ودانت لاسيافكم العرب ، ثم توفاه الله تعالى ، وهو عنكم راض ، وبكم قرير عين ، فشدوا يديكم بهذا الأمر ، فإنكم أحق الناس وأولاهم به .
فأجابوا جميعا : أن وفقت في الرأي ، وأصبت في القول ، ولن نعدو ما أمرت ، نوليك هذا الأمر ، فأنت لنا مقنع ، ولصالح المؤمنين رضا (1).
ثم انهم ترادوا الكلام بينهم ، فقالوا : ان إبت مهاجرة قريش ، فقالوا : نحن المهاجرون ، وأصحاب رسول الله ( ص ) الأولون ، ونحن عشيرته وأولياؤه ، فعلام تنازعوننا هذا الأمر من بعده ؟ فقالت طائفة منهم : إذا نقول : منا أمير ومنكم أمير ، لن نرضى بدون هذا منهم أبدا إن لنا في الأيواء والنصرة ما لهم في الهجرة ، ولنا في كتاب الله ما لهم ، فليسوا يعدون شيئا إلا ونعد مثله ، وليس من رأينا الاستئثار عليهم ، فمنا أمير ومنهم أمير .
فقال سعد بن عبادة : هذا أول الوهن .
وأتى الخبر عمر ، فأتى منزل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فوجد أبا بكر في الدار ، وعليا في جهاز رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان الذي أتاه بالخبر معن بن عدي ، فأخذ بيد عمرو قال : قم فقال عمر : إني عنك مشغول ، فقال : انه لابد من قيام ، فقام معه ، فقال له : ان هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، معهم سعد بن عبادة ، يدورون حوله ويقولون : أنت المرجى ، ونجلك المرجى ، وثم أناس من أشرافهم وقد خشيت الفتنة ، فانظر يا عمر ماذا ترى ، واذكر لاخوتك من المهاجرين واختاروا لأنفسكم ، فاني انظر الى باب فتنة قد فتح الساعة الا أن يغلقه الله ، ففزع عمر أشد الفزع ، حتى أتى ابا بكر فأخذ
____________
(1) جمهرة خطب العرب 1 : 173 ، مع تغيير بسيط في الألفاظ .
بيده فقال : قم فقال أبو بكر : أين نبرح حتى نواري رسول الله اني عنك مشغول ، فقال عمر : لابد من قيام ، وسنرجع ان شاء الله .
فقام أبو بكر مع عمر ، فحدثه الحديث . ففزع أبو بكر أشد الفزع وخرجا مسرعين الى سقيفة بني ساعدة وفيها رجال من أشراف الأنصار ، ومعهم سعد بن عبادة وهو مريض بين أظهرهم ، فأراد عمر أن يتكلم ويمهد لأبي بكر . وقال : خشيت أن يقصر أبو بكر عن بعض الكلام . فما نسى عمر كفه أبو بكر ، قال : على رسلك ، فتلق الكلام ثم تكلم بعد كلامي بما بدا لك فتشهد أبو بكر ثم قال :
ان الله جل ثناؤه بعث محمدا بالهدى والدين الحق ، فدعا الى الاسلام ، فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا الى ما دعانا إليه ، وكنا معاشر المسلمين المهاجرين أول الناس إسلاما ، والناس لنا في ذلك تبع ، ونحن عشيرة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأوسط العرب أنسابا ، ليس من قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة ، وانتم أنصار الله ، وأنتم نصرتم رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم أنتم وزراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في الدين ، وفيما كنا فيه من خير ، فأنتم أحب اناس الينا ، وأكرمهم علينا ، وأحق الناس بالرضا بقضاء الله ، والتسليم لما ساق الله الى أخوانكم من المهاجرين ، وأحق الناس الا تحسدوهم ، فأنتم المؤثرون على انفسهم حين الخصاصة ، وأحق الناس ألا يكون انتقاض هذا الدين واختلاطه على أيديكم ، وأنا أدعوكم الى أبي عبيدة وعمر فكلاهما قد رضيت لهذا الأمر وكلاهما أراه له أهلا . (1).
فقال عمر ، وأبو عبيدة : ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك ، أنت صاحب الغار ، ثاني اثنين ، وامرك رسول الله بالصلاة فأنت أحق الناس بهذا الأمر .
____________
(1) العقد الفريد 2 : 13 . عيون الأخبار 2 : 233 ، البيان والتبيين 3 : 147 . الامامة والسياسة 1 : 7 . جمهرة خطب العرب 1 : 175 .
فقال الأنصار :
والله ما نحسدكم على خير ساقه الله اليكم ، ولا أحد أحب إلينا ولا أرضى عندنا منكم ، و ولكنا نشفق فيما بعد هذا اليوم ، ونحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم ، فلو جعلتم اليوم ، رجلا منكم بايعنا ورضينا ، على انه إذا هلك إخترنا واحدا من الأنصار ، فإذا هلك كان آخر من المهاجرين أبدا ما بقيت هذه الأمة ، كان ذلك أجدر أن يعدل في امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فيشفق الأنصاري أن يزيغ فيقبض عليه القرشي ، ويشفق القرشي ان يزيغ عليه الأنصاري .
فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . لما بعث عظم على العرب ان يتركوا دين ، فخالفوه وشاقوه ، وخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والايمان به ، والمواساة له ، والصبر معه على شدة أذى قومه ، ولم يستوحشوا لكثرة عددهم ، فهم أول من عبد الله في الأرض ، وهم أول من آمن برسول الله ، وهم اولياؤه وعترته ، وأحق الناس بالأمر بعده ، لا ينازعهم فيه إلا ظالم ، وليس أحد بعد المهاجرين فضلا وقدما في الاسلام مثلكم ، فنحن الامراء وانتم الوزراء ، لا نمتاز دونكم بمشورة ، ولا تقضي دونكم الامور (1).
فقام الحباب بن المنذر بن الجموح ، فقال :
يا معشر الأنصار : املكوا عليكم أيديكم ، انما الناس في فيئكم وظلكم ، ولن يجترئ على فلانكم ، ولا يصدر الناس إلا عن امركم ، انتم أهل الايواء والنصرة ، واليكم كانت الهجرة ، وأنتم أصحاب الدار والايمان ، والله ما عبد الله علانية الا عندكم وفى بلادكم ، ولا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم ، ولا عرف الايمان إلا من أسيافكم ، فاملكوا عليكم أمركم ، فان أبى هؤلاء فمنا أمير ومنهم أمير(2) .
____________
(1) جمهرة خطب العرب 1 : 174 نقلا عن الطبري .
(2) جمهرة خطب العرب 1 : 176 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق