الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

السَّقِيفَةُ وَفَدَكْ 5



السَّقِيفَةُ وَفَدَكْ
لأبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي
المتوفى ـ 323 هـ


اصدار
مكتبة نينوى الحديثة
طهران ناصر خسرو ـ مروي
تقديم وجمع وتحقيق
الدكتور محمد هادي الأميني

( 1 )

السَقّيفة وفَدكُ

لأبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري البغدادي
المتوفى ـ 323هـ

رواية
عز الدين عبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلي المتوفى 656


تقديم وجمع وتحقيق
الدكتور محمد هادي الأميني
1

 فقال عمر : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد ، إن العرب لا ترضى ان تؤمركم ونبيها من غيركم ، وليس تمتنع العرب ان تولى أمرها من كان النبوة فيهم ، واولوا الأمر منهم ، لنا بذلك الحجة الظاهرة على من خالفنا ، والسلطان المبني على من نازعنا ، من ذا يخاصمنا في سلطان محمد وميراثه ، ونحن اولياؤه وعشيرته ، الا مدل بباطل أو متجانف لاثم ، أو متورط في هلكة (1) . 
 فقام الحباب وقال : يا معشر الأنصار ، لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من الأمر ، فان أبوا عليكم ما أعطيتموهم فأجلوهم عن بلادكم (2) وتولوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم والله اولى الناس بهذا الأمر منهم ، انه وان لهذا الأمر بأسيافكم من لم يكن يدين له ، انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب (3) ان شئتم لنعيد عنا جزعة (4) ، والله لا يرد أحد على ما أقول الا حطمت انفه بالسيف . 
 قال : فلما رأى بشير بن سعد الخزرجي ، ما اجتمعت عليه الأنصار من تأمير سعد بن عبادة ، وكان حاسدا له وكان من سادة الخزرج ، قام فقال : 
 أيها الأنصار ، إنا وان كنا ذوي سابقة ، فإنا لم نرد بجهادنا واسلامنا إلا رضى ربنا وطاعة نبينا ، ولا ينبغي لنا ان نستطيل بذلك على الناس ، ولا نبتغي به وعوضا من الدنيا ؛ إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رجل من قريش ، وقومه أحق بميراثه ، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر ، فاتقوا الله ولا تنازعوهم ، ولا تخالفوهم .
____________
(1) نفس المصدر .
(2) في عبارة : فأجلوهم عن هذه البلاد .
(3) الجذيل : تصغير الجذل ـ بالكسر ـ وهو أصل الشجرة ، وعود ينصب للأبل الجربى لتحتك به وتتمرس ، والمحك الذي تتحكك به . والعذيق تصغير العذق ـ بالفتح ـ وهو النخلة . والمرجب : الذي جعل له وجبة ، وهي دعامة تبنى حولها من الحجارة ، وذلك إذا كانت النخلة كريمة وطالت تخوفوا عليها ان تنقعر من الرياح العواصف ، والتصغير هنا يراد به التكبير والتعظيم ، وهو مثل ، والمراد أنه رجل يستشفى برأيه وعقله .
(4) الجذعة : الشابة الفتية ، يريد الحروب والغارات .

( 59 )

 فقام أبو بكر ، وقال : هذا عمرو ، وأبو عبيدة ، بايعوا أيهما شئتم ، فقالا : والله لا نتولى هذا الأمر عليك ، وأنت أفضل المهاجرين ، وثاني اثنين ، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على الصلاة ، والصلاة أفضل الدين ، ابسط يدك نبايعك.
 فلما بسط يده وذهبا يبايعانه ، سبقهما بشير بن سعد ، فبايعه ، فناداه الحباب بن المنذر : با بشير عقك عاق : والله ما اضطرك الى هذا الأمر الا الحسد لابن عمك (1)
 ولما رأت الأوس أن رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع ، قام اسيد بن حضير ـ وهو رئيس الأوس ـ فبايع حسدا لسعد أيضا ، ومنافسة له أن يلي الأمر ، فبايعت الأوس كلها لما بايع اسيد ، وحمل سعد بن عبادة وهو مريض ، فادخل الى منزله ، فامتنع من البيعة في ذلك اليوم وفيما بعده ، وأراد عمر أن يكرهه عليها ، فأشير عليه ألا يفعل ، وانه لا يبايع حتى يقتل وانه لا يقتل حتى يقتل أهله ، ولا يقتل أهله حتى يقتل الخزرج ، وان حوربت الخزرج كان الأوس معها . 
 وفسد الأمر فتركوه فكان لا يصلي بصلاتهم ، ولا يجمع بجماعتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعوانا لضاربهم ، فلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر ، ثم لقى عمر في خلافته وهو على فرس ، وعمر على بعير ، فقال له عمر : هيهات يا سعد ، فقال سعد : هيهات يا عمر ، فقال : أنت صاحب من أنت صاحبه ، قال : نعم انا ذاك ، ثم قال لعمر : والله ما جاورني أحد هو أبغض الي جوارا منك ، قال عمر : فانه من كره جوار رجل انتقل عنه . سعد : اني لأرجو ان أخلها لك عاجلا الى جوار من احب الي جوارا منك ومن أصحابك ، فلم يلبث 
____________
(1) الطبري 3 : 207 . الكامل لابن الاثير 2 : 158 . جمهرة خطب العرب 1 : 177 .
( 60 )

سعد بعد ذلك إلا قليلا حتى خرج الى الشام فمات بحوران(1) ولم يبايع لأحد ، لا لأبي بكر ، ولا لعمر ، ولا لغيرهما . 
 وكثر الناس على أبي بكر ، فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم ، واجتمعت بنو هاشم الى بيت علي بن أبي طالب ، ومعهم الزبير ، وكان يعد نفسه رجلا من بني هاشم ، وكان علي يقول : ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا . 
 واجتمعت بنو أمية الى عثمان بن عفان ، واجتمعت بنو زهرة الى سعد ، وعبد الرحمن فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة ، فقال : مالي أراكم ملتائين . قوموا فبايعوا أبا بكر ، فقد بايع له الناس ، وبايعه الأنصار . فقام عثمان ومن معه ، وقام سعد ، وعبد الرحمن ومن معهما فبايعوا أبا بكر . 
 وذهب عمر ومعه عصابة الى بيت فاطمة ، منهم اسيد بن حضير وسلمة بن أسلم ، فقال لهم : انطلقوا فبايعوا ، فأبوا عليه ، وخرج إليهم الزبير بسيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب ، فوثب عليه سلمة بن أسلم . فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ، ثم انطلقوا به وبعلي ومعها بنو هاشم ، وعلي يقول : انا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى انتهوا به الى ابي بكر ، فقيل له : بايع فقال : انا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله ، فأعطوكم المقادة ، وسلموا اليكم الامارة ، وانا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، فانصفونا ان كنتم تخافون الله من انفسكم ، واعرفو لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ، وإلا فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون . 
 فقال عمر : انك لست متروكا حتى تبايع ، فقال له علي : احلب يا عمر حلبا 
____________
(1) حوران : كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة . ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار ، وما زالت منازل العرب . معجم البلدان 2 : 317 . الامامة والسياسة 1 : 17 .
( 61 )

لك شطره ، اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا ، الا والله لا اقبل قولك ولا ابايعه ، فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعني لم أكرهك ، فقال له عبيدة : يا ابا الحسن ، انك حديث السن ، وهؤلاء مشيخة قريش قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر الا أقوى على هذا الأمر منك ، واشد احتمالا له ، واضطلاعا به ، فسلم له الأمر وارض به ، فإنك ان تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك . 
 فقال علي : يا معشر المهاجرين ، الله الله ، لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته الى بيوتكم ودوركم ، دفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن ـ أهل البيت ـ أحق بهذا الأمر منكم ، أما كان منا القاريء لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بالسنة ، المضطلع بأمر الرعية ، والله انه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى ، فتزدادوا من الحق بعدا . 
 فقال بشير بن سعد : لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار ياعلي قبل بيعتهم لأبي بكر ، ما اختلف عليك اثنان ، ولكنهم قد بايعوا . 
 وانصرف علي الى منزله ، ولم يبايع ، ولزم بيته حتى ماتت فاطمة فبايع (1)

***

 حدثنا احمد وقال : حدثنا ابن عفير قال : حدثنا أبو عوف عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أبي جعفر محمد بن على رضي الله عنهما ، ان عليا حمل فاطمة على حمار ، وسار بها ليلا الى بيوت الأنصار ، يسألهم النصرة ، وتسألهم فاطمة الانتصار له فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، لو كان ابن عمك سبق الينا ابا بكر ما عدلنا به ، فقال علي : اكنت اترك رسول الله ميتا في بيته لا أجهزة ، واخرج الى الناس انازعهم في سلطانه . 
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 5 ـ 12 . تاريخ الطبري 3 : 207 عن هشام بن محمد عن أبي مخنف قال : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، أن النبي (ص) لما قبض . الامامة والسياسة 1 : 12 . الغدير 7 : 80 الكامل 3 : 326 .
( 62 )

 وقالت فاطمة : ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له ، وصنعوا هم ما الله حسبهم عليه (1).
 وحدثنا أحمد قال : حدثني سعيد بن كثير قال : حدثني ابن لهيعة ، ان رسول الله صلى الله عليه وآله ، لما مات وابو ذر غائب ، وقدم وقد ولي أبو بكر ، فقال : أصبتم قناعه ، وتركتم قرابه ، لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان (2).
 وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة ، قال : حدثنا أبو قبيعة محمد بن حرب ، قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وآله ، وجرى في السقيفة ما جرى تمثل عليّ : 

وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا * ويطغون لما غال زيدا غوائله (3)

 حدثني أبو يوسف يعقوب بن شيبة ، عن بحر بن آدم عن رجاله ، عن سالم بن عبيد قال : لما توفي رسول الله وقالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، أخذ عمر بيد أبي بكر وقال : سيفان في غمد واحد ، إذا لا يصلحان ، ثم قال : من له هذه الثلاث : ثاني اثنين إذ هما في الغار . من هما إذ يقول لصاحبه لا تحزن ، من صاحبه ، إن الله معنا ، مع من ، ثم بسط يده الى أبي بكر فبايعه الناس أحسن بيعة وأجملها (4)
 حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاري ، عن أبي بكر بن عياش ، عن زيد بن عبد الله ، قال : إن تعالى نظر في قلوب العباد ، فوجد قلب محمد عليه الصلاة والسلام ، خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه ، وابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب الأمم بعد قلبه ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، 
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 13 .
 الامامة والسياسة 1 : 19 وفيه : ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم . الغدير 7 : 81 .
(2) ابن أبي الحديد 6 : 13 . مصالب القواصب 1 : خ .
(3) ابن أبي الحديد 6 : 14 . النص والاجتهاد : 81 .
(4) ابن أبي الحديد 6 : 38 .

( 63 )

يقاتلون عن دينه ، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رأى المسلمون سيئا فهو عند الله سيء . 
 قال أبو بكر بن عياش : وقد رأى المسلمون أن يولوا أبا بكر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكانت ولايته حسنة (1)
 وحدثنا يعقوب بن شيبة ، قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الأنصار : منا أمير ومنكم أمير قال عمر : أيها الناس أيكم يطيب نفسا ان يتقدم قدمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، رضيك الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا (2)
 وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة ، قال : حدثني زيد بن يحيى الانماطي ، قال : حدثنا صخر بن جويرية ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه قال : أخذ أبو بكر بيد عمر ، ويد رجل من المهاجرين ـ ويرونه أبا عبيدة ـ حتى انطلقوا الى الأنصار ، وقد اجتمعوا عند سعد في سقيفة بني ساعدة ، فقال عمر : قلت لأبي بكر ، دعني أتكلم وخشيت جد أبي بكر ، وكان ذا جد ، فقال أبو بكر : لا بل أنا اتكلم ، فما هو والله إلا ان انتهينا إليهم ، فما كان في نفسي شئ أريد أن أقوله ، إلا أتى أبو بكر عليه ، فقال لهم :
 يا معشر الأنصار ما ينكر حقكم مسلم ، انا والله ما أصبنا خيرا قط إلا شركتمونا فيه لقد اديتم ونصرتم ، وآزرتم وواسيتم ، ولكن قد علمتم ان العرب لا تقر ولا تطيع إلا لأمرئ من قريش ، هم رهط النبي ( صلى الله عليه وسلم ، 
____________
(1) ابن ابي الحديد 6 : 39 .
 ذهب الفيروز آبادي في خاتمة كتابه ـ سفر السعادة ـ والعجلوني في كتابه كشف الخفا ـ والسيوطي في كتابه ـ اللئالئ المصنوعة ، من ان الاحاديث الواردة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في فضائل أبي بكر الصديق ، من الموضوعات لم يصح منه حديث ، أو ليس فيه حديث صحيح .
 وذكر السيوطي في اللئالئ ج 1 : 286 ـ 302 ثلاثين حديثا من أشهر فضائل أبي بكر زيفها وحكم فيها بالوضع .
(3) ابن أبي الحديد 6 : 39 .

( 64 )

أوسط العرب وشيجة رحم ، وأوسط الناس دارا ، وأعرب الناس ألسنا ، وأصبح الناس أوجها ، وقد عرفتم بلاء ابن الخطاب في الاسلام وقدمه ، هلم فلنبايعه . 
 قال عمر : بل اياك نبايع ، قال عمر : فكنت أول الناس مد يده الى ابي بكر فبايعه ، إلا رجلا من الأنصار أدخل يده بين يدي ويد أبي بكر فبايعه قبلي ، ووطئ الناس فراش سعد ، فقيل : قتلتم سعدا ، فقال عمر : قتل الله سعدا ، فوثب رجل من الأنصار فقال : انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، فأخذ ووطئ في بطنه ودسوا في التراب(1).

***

 وحدثني يعقوب ، عن محمد بن جعفر ، عن محمد بن اسماعيل ، عن مختار اليمان ، عن عيسى بن زيد ، قال : لما بويع أبو بكر جاء أبو سفيان الى علي فقال : أغلبكم على هذا الأمر أذل بيت من قريش وأقلها ، أما والله لو شئت لأملأنها على أبي فضيل خيلا ورجلا ، ولأسدنها عليه من اقطارها ، فقال علي : يا أبا سفيان ، طالما كدت الى الاسلام وأهله ، فما ضرهم شيئا امسك عليك فأنا رأينا أبا بكر لها أهلا(2) . 
 وحدثنا يعقوب ، عن رجاله قال : لما بويع أبا بكر تخلف علي ، فلم يبايع ، فقيل لأبي بكر : انه كره امارتك فبعث إليه ، وقال : اكرهت أمارتي ؟ قال : لا ، ولكن القرآن خشيت أن يزاد فيه ، فحلفت ألا ارتدي رداء حتى اجمعه ، اللهم الى صلاة الجمعة . 
 فقال أبو بكر : لقد أحسنت ، قال : فكتبه عليه الصلاة والسلام ، كما أنزل بناسخه ومنسوخه (3)
 حدثنا يعقوب عن أبي النصر عن محمد بن راشد ، عن مكحول ، أن رسول 
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 40 .
(2) ابن أبي الحديد 6 : 40 .
(3) ابن أبي الحديد 6 : 40 .

( 65 )

الله صلى الله عليه وسلم ، استعمل خالد بن سعيد بن العاص ، على عمل ، فقدم بعدما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بايع الناس أبا بكر ، فدعاه الى البيعة ، فأبى فقال عمر : دعني واياه فمنعه أبو بكر ، حتى مضت عليه سنة ، ثم مر به أبو بكر وهو جالس على بابه فناداه خالد ، يا أبا بكر هل لك في البيعة قال : نعم ، قال : فادن فدنا منه فبايعه خالد وهو قاعد على بابه (1).
 وحدثنا أبو يوسف يعقوب بن شيبة ، عن خالد بن مخلد ، عن يحيى بن عمر ، قال : حدثني أبو جعفر الباقي ، قال : جاء اعرابي الى أبي بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له : أوصني ، فقال : لا تأمر على اثنين ، ثم ان الأعرابي شخص الى الربذة فبلغه بعد ذلك وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عن أمر الناس : من وليه ، فقيل : أبو بكر ، فقدم الأعرابي المدينة فقال لأبي بكر : الست أمرتني ألا اتأمر على اثنين ، قال : بلى ، قال : فما بالك ؟ فقال أبو بكر : لم أجد لها احدا غيري أحق مني .
 قال : ثم دفع أبو جعفر الباقر ، يديه وخفضهما فقال : صدق ، صدق (3)
 وقد روى هذا الخبر برواية أتم من هذه الرواية : حدثنا يعقوب بن شيبة ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان الأعشى ، عن سليمان بن مسيرة ، عن طارق بن شهاب ، عن رافع بن أبي رافع الطائي ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا ، فأمر عليهم عمرو بن العاص ، وفيهم أبو بكر ، وعمر . وأمرهم ان يستنفروا من مروا به ، فمروا علينا فاستنفرونا ، فنفرنا معهم في غزاة ـ ذات السلاسل ـ وهي التي تفخر بها أهل الشام فيقولون : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على جيش فيه أبو بكر 
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 41 .
 أبو سعيد خالد بن سعيد العاصي بن أمية بن عبد شمس الأموي وامه أم خالد بنت حباب الثقفية من السابقين الأولين ، أمره أبو بكر على مشارق الشام في الردة ، واستشهد يوم حرج الصفر . الاصابة 1 : 406 .

( 66 )

وعمر ، قال : فقلت : والله لأختارن في هذه الغزاة لنفسي رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استمد به فاني لست استطيع اتيان المدينة ، فاخترت أبا بكر ، ولم آل وكان له كساء فدكى يخله (1) عليه إذا ركب ، ويلبسه إذا نزل ، وهو الذي عيرته به هوازن بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : لا نبايع ذا الخلال ، قال : فلما قضينا غزاتنا قلت له : يا أبا بكر ، اني قد صحبتك وإني لي عليك حقا ، فعلمني شيئا انتفع به ، فقال : قد كنت اريد ذلك لو لم تقل لي : تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتحج البيت ، وتصوم شهر رمضان ، ولا تتأمر على رجلين ، فقلت : اما العبادات فقد عرفتها ، أرأيت نهيك لي عن الامارة ، وهل يصيب الناس الخير والشر إلا بالامارة ، فقال : انك مستجهد في فجهدت لك ، إن الناس دخلوا في الاسلام طوعا وكرها فأجارهم الله من الظلم ، فهم جيران الله ، وعواد الله ، وفي ذمة الله ، فمن يظلم منكم انما يحقر ربه ، والله ان أحدكم ليأخذ شويهة جاره أو بعيره ، فيظل عمله بأسا بجاره ، والله من وراء جاره ، قال : فلم يلبث إلا قليلا حتى اتتنا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألت : من استخلف بعده ، قيل : أبو بكر ، قلت : أصاحبي الذي كان ينهاني عن الامارة ؟ فشددت على راحلتي : فأتيت المدينة ، فجعلت أطلب خلوته ، حتى قدرت عليها ، فقلت : أتعرفني ، انا فلان بن فلان ، أتعرف وصية اوصيتني بها ؟ قال : نعم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ، والناس حديثوا عهد بالجاهلية ، فخشيت أن يفتنوا ، وان أصحابي حملونيها ، فما زال يعتذر الي حتى عذرته ، وصار من أمري بعد أن صرت عريفا (2).
 وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة ، عن رجاله ، عن الشعبي ، قال : قام الحسن بن علي عليه السلام ، إلى أبي بكر وهو يخطب على المنبر ، له : أنزل عن 
____________
(1) يخله عليه : أي يجمع بين طرفي الكساء وعود أو حديد.
(2) ابن أبي الحديد 6 : 41 .

( 67 )

منبر أبي ، فقال أبو بكر : صدقت ، والله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي ، فبعث علي الى أبي بكر ، انه غلام حدث ، وأنا لم نأمره ، فقال أبو بكر : صدقت إنا لم نتهمك (1)
 وروى أبو زيد . عن حباب بن يزيد ، عن جرير ، عن المغيرة ، أن سلمان ، والزبير ، وبعض الأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليا بعد النبي صلى الله عليه وآله ، فلما بويع أبو بكر ، قال سلمان للصحابة : أصبتم الخير ، ولكن أخطأتم المعدن ، وفى رواية أخرى : أصبتم ذا السن منكم ، ولكنكم أخطأتم أهل بيت نبيكم ، أما لو جعلتموها فيهم ما اختلفت منكم اثنان ولأكلتموها رغدا(2) . 

***

 وأخبرنا أبو زيد ، قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا غسان بن عبد الحميد ، قال : لما أكثر في تخلف علي عن البيعة ، واشتد أبو بكر ، وعمر في ذلك ، خرجت أم مسطح بن اثاثة(3) ، فوقفت عند قبر النبي صلى الله عليه وآله ، ونادته : يا رسول الله : 

قــد كان بعدك أنباء وهينمة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب (4)
إنــا فقدناك فقد الأرض وابلها * فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب (5)

 سمعت أبا زيد عمر بن شبة ، يحدث رجلا بحديث لم أحفظ اسناده ، قال : 
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 42 . والحديث مختلق لأن في سنده عامر الشعبي وهو مقدوح بقوادح عديدة ، وأعظم مطاعنة انه كان صبيا بغيضا منحرفا عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يدا خل الولاة ، ويصانعهم ويماشيهم ويلعب بالشطرنج لأجل التحبب الى طغاة بني امية ومردتهم . نجد تفصيل مخازيه في كتاب ـ افحام الاعداء والخصوم ـ 3 : خ . العقد الفريد 1 : 44 ، 66 .
(2) ابن أبي الحديد 6 : 43 .
(3) ام مسطح بنت أبي دهم بن المطلب بن عبد مناف ، وامها رائطة بنت صخر بن عامر بن كعب ، خالة أبي بكر . أسد الغابة 4 : 355 .
(4) الهينمة : الصوت الخفي ، وفى بعض المصادر نسب البيتين الى الصديقة فاطمة ( عليها السلام ) .
(5) ابن أبي الحديد 6 : 43 .

( 68 )

مر المغيرة بن شعبة ، بأبي بكر ، وعمر ، وهما جالسان على باب النبي حين قبض ، فقال : وما يقعدكما ؟ قالا : ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه ، يعنيان عليا ، فقال : أتريدون أن تنظروا حبل الحيلة من أهل هذا البيت ، وسموها في قريش تتسع . 
 قال : فقاما الى سقيفة بني ساعدة ، أو كلاما هذا معناه (1)

***
 أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الملك الواسطي (2) ، عن يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك ، قال : لما مرض رسول الله مرضه الذى مات فيه ، أتاه بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال بعد مرتين : يا بلال لقد أبلغت ، فمن شاء فليصل بالناس ، ومن شاء فليدع . 
 قال : ورفعت الستور عن رسول الله ، فنظرنا إليه كأنه ورقة بيضاء ، وعليه خميصة (3) له فرجع إليه بلال فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، قال : فما رأيناه بعد ذلك عليه السلام (4)
 حدثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي ، قال : سمعت أبيا يقول : ذكر سعد بن عبادة يوما عليا بعد يوم السقيفة ، فذكر أمرا من أمره نسيه أبو الحسن ، ليوجب ولايته ، فقال له ابنه قيس بن سعد : أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ؟ ثم تطلب الخلافة ، ويقول أصحابك : منا أمير ومنكم أمير ، لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبدا (5) 

***

____________
(1) ابن أبي الحديد 5 : 43 .
(2) محمد عبد الملك بن زنجويه المتوفى 257|258 . تاريخ بغداد 2 : 345 .
(3) الخميصة : كساء أسود مربع ، له علمان .
(4) ابن أبي الحديد 6 : 44 . الطبقات الكبرى 2 : 217 ، والحديث مقدوح لوجود سفيان بن حسين بن الحسن المتوفى بالري مع المهدي في سنده فقد قال عنه يعقوب بن شيبة : صدوق ثقة وفى حديثه ضعف . وقال ابن سعد : ثقة يخطي في حديثه كثيرا ، وقال ابن عدي : هو في غير الزهري صالح وفي الزهري يروي اشياء خالف الناس ، وذكره ابن حبان ، في الثقات وقال : اما روايته عن الزهري .
(5) ابن أبي الحديد 6 : 44 .

( 69 )

 وحدثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني شريك بن عبد الله ، عن اسماعيل بن خالد ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه عن جده ، قال : قال علي : كنت مع الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة له في المحبوب والمكروه ، فلما عز الاسلام وكثر أهله قال : يا علي زد فيها : ـ على أن تمنعوا رسول الله وأهل بيته ما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ـ قال : فحملها على ظهور القوم ، فوفى بها من وفى ، وهلك من هلك(1) . 
 وحدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد (2) قال : حدثنا أحمد بن الحكيم ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن ليث بن سعد ، قال : تخلف علي عن بيعة أبي بكر ، فأخرج ملبيّا (3) يمضي به ركضا ، وهو يقول : معاشر المسلمين علام تضرب عنق رجل من الملسمين ، لم يتخلف لخلاف وانما تخلف لحاجة ، فما مر بمجلس من المجالس إلا يقال له : انطلق فبايع (4).
 وحدثنا علي بن حرب الطائي (5) ، قال : حدثنا ابن فضل ، عن الأجلح ، عن حبيب بن ثعلبة ابن زيد ، قاال : سمعت عليا يقول : أما ورب السماء والأرض ، ثلاثا انه لعهدي النبي الأمي الي : لتغدرن بك الأمة من بعدي (6)
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 44 .
(2) أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن حبيب الحارثي البصري المتوفى 271 ، من شيوخ المؤلف في الرواية يلقب كريزان سكن سر من رأى وحدث بها وببغداد ، ولما مات دفن في مقابر الكوفة . تاريخ بغداد 1 : 273 .
(3) يقال : لبب فلان فلانا ، أخذ بتلبيبه ، أي جمع ثيابه عند صدره ونحره ثم جره .
(4) ابن أبي الحديد 6 : 45 .
(5) أبو الحسن علي بن حرب بن محمد بن علي بن حبان بن مازن بن الغضوية الطائي الموصلي مات 1265 احد من رحل في الحديث الى الحجاز وبغداد والكوفة والبصرة وقدم بغداد وحدث بها ، وكان عالما بأخبار العرب وانسابها وأيامها أديبا شاعرا ، وفد على المعتز بسر من رأى فأكرمه وأحسن إليه وأوعز له ضياع حرب كلها فلم يزل ذلك جاريا له الى ايام ا لمعتضد تاريخ بغداد 11 : 418 . الشذرات 2 : 15 .
(6) ابن أبي الحديد 6 : 45 .

( 70 )

 وحدثنا أبو زيد عمر بن شبة ، باسناد رفعه الى ابن عباس قال : أني لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة ، يده في يدي ، فقال : يا ابن عباس ، ما أظن صاحبك إلا مظلوما ، فقلت في نفسي : والله لا يسبقني بها ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، فاردد عليه ظلامته ، فانتزع يده من يدي ، ثم مر يهمهم ساعة ثم وقف ، فلحقته فقال لي : يا ابن عباس ، ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا انهم استصغروه ، فقلت في نفسي : هذه شر من الأولى ، فقلت : والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر (1).
 حدثني أبو زيد عمر بن شبة ، قال : حدثني ابراهيم بن المنذر قال : حدثنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، قال : غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة ، وغضب علي ، والزبير ، فدخلا بيت فاطمة ، معهما السلاح ، فجاء عمر في عصابة ، فيهم اسيد بن حضير ، وسلمة بن سلامة بن قريش ، وهما من بني عبد الأشمل ، فاقتحما الدار ، فاصحت فاطمة ونشادتهما الله ، فأخذوا سيفيهما فضربوا بهما الحجر حتى كسروهما ، فأخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا ، ثم قام أبو بكر ، فخطب الناس ، فاعتذر إليهم وقال : أن بيعتي كانت فلتة ، وقى الله شرها ، وخشيت الفتنة ، وأيم الله ما حرصت عليها يوما قط ، ولا سألتها الله في سر ولا علانية قط ، ولقد قلدت أمرا عظيما مالي به طاقة ولا يدان ، ولقد وددت أن أقوى الناس عليه مكاني (2).
 وذكر ابن شهاب ثابت ، إن قيس بن شماص أخا بني الحارث من الخزرج ، كان مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمة . 
 وروى سعد بن ابراهيم ، أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك 
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 45 . كنز العمال 6 : 391 . الغدير 1 : 389 و 7 : 80 .
(2) ابن أبي الحديد 6 : 47 . سيرة ابن هشام 4 : 335 بتغيير في الألفاظ . الغدير 7 : 118 . الامامة والسياسة 1 : 16 . كنز العمال 3 : 126 ، الرياض النضرة 1 : 167 . 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق